الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إطعام الطعام في المناسبات البدعية

السؤال

أنا طالب علم، وفي قريتي يوجد شخص ميِّت يزوره الصوفية، ويدعونه من دون الله، ولهم احتفال سنويّ يسمى بالحوليَّة، وعندما يأتون لهذا الاحتفال يقوم أهلي بإطعامهم، وضيافتهم، مع العلم أنهم يأتون لدعاء ذلك الميت، ولفعل بدعهم من ضرب الدفوف، وغيرها من الأمور التي لا تصح شرعًا، فهل يجوز إطعامهم؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فدعاء الأموات وسؤالهم من دون الله تعالى، شرك أكبر -والعياذ بالله-، وراجع في بيان ذلك الفتوى: 203791، وتجد في آخرها إحالات على عدة فتوى في طريقة التعامل مع أهل البدع.

ومن يأتي قبر الميت ليدعوه من دون الله، ويقع بذلك في الشرك بالله تعالى، فحقه أن يُنكر عليه شركه، وتُبذل له النصيحة، ويُبيَّن له حقيقة حاله، وسوء فِعاله، لا أن يُعان، أو يُقرَّ على شركه، ويُكرم ويُطعَم الطعام!! ومن فعل ذلك، فلا ريب في أنه أثم إثمًا مبينًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: إذا أعان الرجل على معصية الله، كان آثمًا؛ لأنه أعان على الإثم، والعدوان؛ ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها. وأكثر هؤلاء -كالعاصر، والحامل، والساقي- إنما هم يعاونون على شربها. فإذا كان هذا في الإعانة على المعاصي، فكيف بالإعانة على الكفر، وشعائر الكفر!؟ اهـ.

وصدق -رحمه الله-: فكيف بالإعانة على الكفر، والشرك؟! فإن إطعام الطعام في المناسبات البدعية - وإن خلت من الشرك – منكر لا يجوز، فما بالك بالمناسبات الشركية؟ ولذلك فقد نص بعض أهل العلم على حرمة الإنفاق على إقامة الموالد؛ لكونها بدعة، قال الونشريسي في المعيار المعرب (9/ 252): وسئل الأستاذ أبو إسحاق الشاطبي -رحمه الله-، عمن عهد بثلثه ليوقف على إقامة مولده -صلى الله عليه وسلم-؟

فأجاب: أما الوصية بالثلث ليوقف على إقامة ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فمعلوم أن إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة، وكل بدعة ضلالة، والإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز، والوصية غير نافذة، بل يجب على القاضي فسخه، ورد الثلث إلى الورثة، يقتسمونه فيما بينهم، وأبعد الله الفقراء الذين يطلبون إنفاذ مثل هذه الوصية، وما ذكرتم من وجهي المنع من الإنفاذ صحيح، يقتضي عدم التوقف في إبطال الوصية، ولا يكفي في ذلك منكم السكوت؛ لأنه كالحكم بالإنفاذ عند جماعة من العلماء، فاحذروا أن يكون مثل هذا في صحيفتكم، والله يقينا وإياكم الشر بفضله. اهـ.

وهذا النص مثبت في المطبوع من فتاوى الإمام الشاطبي (ص 103 : 205). وحسبنا منه نَصُّه – رحمه الله – على أن الإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز، وتحذيره من إقرار ذلك، مع كونه ليس مولد أي أحد، بل هو مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وإن خلا ذلك من مظاهر الشرك، بل فقط قضية الابتداع في الدين، فما بالنا بالشرك -والعياذ بالله-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني