الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إخراج كفارة اليمين من النوع الرخيص... رؤية شرعية

السؤال

كانت علي ٣ كفارات إطعام ١٠ مساكين، وأخرجتها، لكنني كنت أخرج نصف صاع من التمر الرخيص، من البقالات؛ لقلة المال.
فهل يجوز ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمجرد الرخص ليس مانعا من الإجزاء إن كان التمر الذي أخرجته في الكفارة من أوسط ما يأكل الناس، وكان سالما من العيب. وإما إن كان معيبا كأن يكون به سوس، أو متغير الطعم، أو من أدنى ما يأكله الناس وليس من الوسط؛ فقد نص الفقهاء على أن هذا النوع لا يجزئ في الكفارة.

قال ابن قدامة في المغني: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْرَجُ فِي الْكَفَّارَةِ سَالِمًا مِن الْعَيْبِ، فَلَا يَكُونُ الْحَبُّ مَسُوسًا، وَلَا مُتَغَيِّرًا طَعْمُهُ، وَلَا فِيهِ زُؤَانٌ، أَوْ تُرَابٌ يَحْتَاجُ إلَى تَنْقِيَةٍ، وَكَذَلِكَ دَقِيقُهُ وَخُبْزُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْرَجٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، عَمَّا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَعِيبًا؛ كَالشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ. اهـ.
وقال أيضا: ولا يجزئ ...حب معيب ولا مسوس، ولا قديم تغير طعمه، لقول الله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]..اهــ.
وفي المبدع: (وَلَا يُخْرِجُ حَبًّا مَعِيبًا) كَمُسَوِّسٍ وَمَبْلُولٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]. وَلِأَنَّ السُّوسَ يَأْكُلُ جَوْفَهُ، وَالْبَلَلُ يَنْفُخُهُ، وَالْمُخْرَجُ بِصَاعٍ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ الْوَاجِبُ شَرْعًا، وَإِنْ خَالَطَ الْجَيِّدُ مَا يُجْزِئُ، فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ قَلَّ زَادَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ، قَالَ: أُحِبُّ تَنْقِيَةَ الطَّعَامِ، وَحَكَاهُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ لِيَكُونَ أَكْمَلَ. اهــ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فَيُطْعِمُ أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُونَ أَهْلِيهِمْ قَدْرًا وَنَوْعًا، وَهَذَا معنى قَول مَالك، قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق: كَانَ مَالك يرى فِي كَفَّارَة الْيَمين أَن الْمَدّ يجزئ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ مَالك: وَأما الْبلدَانِ فَإِن لَهُم عَيْشًا غير عيشنا، فَأرى أَن يكفروا بالوسط من عيشهم؛ لقَوْل الله تَعَالَى: {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم}.. اهـ.
وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في فتح القدير: المراد بالوسط هنا، المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير، وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع، أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه، ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه، ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه. اهــ.

هذا؛ وننبه إلى أن من لم يجد المال الكافي للكفارة، فعليه أن يكفر بصيام ثلاثة أيام عن كل يمين، قال الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. [المائدة: 89]

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني