الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين المحبة الطبيعية والشركية

السؤال

قرأت لكم نقلًا، وفتاوى عن كون حب شيء غير الله لنفسه، شرك، لكني لم أفهم. فنحن مثلًا قد نحب شخصًا لصفاته الحسنة -من أدب، وخلق ولطف، وربما جمال إن كان الحب من رجل لامرأة مثلًا-، وقد نحب الصغير؛ لأنه لطيف، وبريء. وكذلك العاشق، فالذي أعرفه أنه في بداياته لا يكون مشركًا، ما لم يتجاوز عشقه محبة الله، لكن العاشق لا يحب معشوقه لله، ولو أنه يحبه لله، ما وقع في العشق أساسًا، فكيف لا يكون شركًا، وهو ليس حبًّا لله؟ بل ربما يحبه لصفاته مثلًا؟ مثل ذلك ما ذكرت من أمثلة في بداية كلامي، فهل تعتبر هذه المحبوبات لغير الله، ولا تجوز؛ لأنها حب بسبب الصفات، وليس لله؟ علمًا أني قرأت كثيرًا، ولم أفهم هذه النقطة، فأرجو أن تساعدوني.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمحبة الشركية هي: محبة العبودية المستلزمة للإجلال، والتعظيم، والذل، والخضوع، ولا تنبغي إلا لله وحده، لا شريك له، فمتى صرف العبد هذه المحبة لغير الله، فقد أشرك به -والعياذ بالله-.

وأما قولنا: إنه لا يُحَب لذاته إلا الله تعالى، فلأن كل صفاته وأفعاله حسنى، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه أزلًا وأبًدا.

وكل خير ونفع، فهو منه سبحانه وتعالى؛ خلقًا وتدبيرًا، وتوفيقًا وتيسيرًا.

ولا يندفع شر، ولا يزول ضر، إلا بحوله وقوته، وإذنه ومشيئته، وفضله ومعونته.

وأما الخلق، فلا يقدرون إلا على ما قدّره الله، مع ما فيهم من النقص، والضعف، والعجز، وفوات الكمال؛ ولذلك لا يُحَب لذاته إلا الله وحده، لا شريك الله. وأما غيره، فإنما يُحَبّ على قدر ما فيه من كمال، وبقدر ما يوليه من إحسان.

ولمزيد البيان نقول: إن المحبة الطبيعية التي يشترك فيها الناس كلهم، مؤمنهم وكافرهم، ليست محلًّا للشرك أصلًا؛ ولذلك لما تناول ابن القيم في كتاب: الداء والدواء مسألة المحبة الشركية، قال بعدها: وها هنا أربعة أنواع من المحبة، يجب التفريق بينها، وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينها. اهـ.

وهذه الأنواع الأربعة هي: 1) محبة الله. 2) ومحبة ما يحب الله. 3) والحب لله وفيه. 4) والمحبة مع الله.

قال ابن القيم: وهي المحبة الشركية، وكل من أحب شيئًا مع الله لا لله، ولا من أجله، ولا فيه، فقد اتخذه ندًّا من دون الله، وهذه محبة المشركين. اهـ.

ثم قال: وبقي قسم خامس، ليس مما نحن فيه: وهي المحبة الطبيعية، وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه، كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم، والزوجة، والولد، فتلك لا تذم، إلا إذا أَلْهت عن ذكر الله، وشغلت عن محبته. اهـ.

وقال الشيخ الغنيمان في شرح فتح المجيد: يجب أن يعلم أن المحبة تنقسم إلى قسمين: محبة مشتركة بين الخلق كلهم، وهذه ليس فيها ضير على الإنسان، وليس فيها شرك، وهذه المحبة أقسام ثلاثة:

القسم الأول: محبة الشفقة، والحنو، والرحمة، كمحبة الولد الصغير، ومحبة الضعفاء، وما أشبه ذلك، فهذه ليس فيها ضير على المحب، بل يثاب على ذلك.

القسم الثاني: محبة تقدير، وإجلال، كمحبة الوالد، ومحبة من يقدره.

القسم الثالث: محبة الاشتراك، كمحبة الزمالة، أو المصاحبة في عمل، أو في سفر، أو في مسكن، أو ما أشبه ذلك، وهذه تقع حتى للحيوانات بعضها مع بعض.

وهذه الأمور الثلاثة لا تستلزم الذل، والخضوع، والتعظيم، يعني: أنها ليست محبة عبودية، بل هي محبة لهذه الأمور المذكورة. هذا القسم من أقسام المحبة، وهذه التي تكون في الخلق.

أما محبة العبودية -وتسمى المحبة الخاصة-، فهذه يجب أن تكون لله جل وعلا، وهي التي تتضمن الذل، والخضوع، والتعظيم، فلا يجوز أن يقع لمخلوق من المخلوقات محبة من هذا النوع، هذه المحبة تتضمن الذل، والخضوع، والتعظيم، فإنها إذا وقعت لمخلوق، فتكون محبة عبادة، ويكون من وقعت منه مشركًا بالله جل وعلا. اهـ.

وراجع في ذلك الفتوى: 27513.

ولمزيد الفائدة، يمكن الاطلاع على الفتاوى: 178167، 345256، 131443، 346303.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني