الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل لطلب العلم في المدارس والجامعات فضل كفضل طلبه في المساجد؟

السؤال

جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه، كان له كأجر حاج تامًّا حجته.
والسؤال: هل الفضل المذكور في الحديث خاص بالمسجد؟ أم أنه يعم أماكن تلقي العلم كلها كالمدارس والمعاهد والجامعات؟ وإذا كان خاصًّا بالمسجد، فهل المقصود ها هنا المسجد النبويِّ أم المساجد عامَّة؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالحديث المذكور رواه الحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير من حديث أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مُعْتَمِرٍ تَامِّ الْعُمْرَةِ، فَمَنْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ فَلَهُ أَجْرُ حَاجٍّ تَامِّ الْحِجَّةِ.

وهذا الحديث صححه الحاكم، والذهبي، وقال العراقي في تخريج أحاديث «الإحياء» إسناده جيد. وقال الهيثمي في «المجمع»: ورجاله موثقون كلهم، وقال الألباني في صحيح الترغيب (86): حسن صحيح.

ولم نظفر بكلام لأهل العلم في بيان أن هذا الفضل يشمل غير المسجد من أماكن التعليم كالمدارس والجامعات، والأصل الوقوف على ما جاء به النص، وهو أن هذا الفضل لمن ذهب إلى "المسجد".

وورد فضل آخر -غير أجر الحج والعمرة- في طلب العلم وتعليمه في المسجد النبوي، وهو ما رواه ابن حبان -بإسناد حسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَنَا هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .... » وفي لفظ للطبراني في المعجم الكبير: مَنْ دَخَلَ مَسْجِدِي هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ ...، فالفضل الوارد في هذا الحديث غير الفضل الوارد في الحديث الذي سألت عنه.

وقد اختلف الشراح في هذا الحديث هل فضله خاص بالمسجد النبوي الشريف أم أنه يشمل كل المساجد، قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: قَوْلُهُ (مَنْ جَاءَ مَسْجِدِي هَذَا) أَرَادَ مَسْجِدَهُ وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ إِمَّا لِخُصُوصِ هَذَا الْحُكْمِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مَحَلًّا لِلْكَلَامِ حِينَئِذٍ، وَحُكْمُ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ كَحُكْمِهِ. اهـ.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: قَوْلُهُ: (مَسْجِدَنَا هَذَا) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْأَجْرَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الدُّخُولِ إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ كَانَ فِي مَسْجِدِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا يَصِحَّ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ الَّتِي هِيَ دُونَهُ فِي الْفَضِيلَةِ، لِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ. اهـ.

ويرى بعض العلماء أن هذا يشمل كل المساجد، قال الشيخ محمد آدم في شرح سنن ابن ماجه: يؤيّد الإطلاق حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلّم خيرًا، أو يُعلّمه، كان له أجر معتمر تامّ العمرة، فمن راح إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلّم خيرًا، أو يعلّمه، فله أجر حاجّ تامّ الحجة.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني