الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاشتغال بالمحاماة بين الحرمة والإباحة

السؤال

أنا شاب عمري سبع وعشرون سنة، متزوج، ولي ولدان، أعمل محاميا، ودولتنا تحصر تطبيق الشريعة الإسلامية في أمور لا تزيد على 40% من مجمل تشريعات البلاد، وأسعى جاهدا لأن أكون في دائرة الحلال، وأن أتجنب كل مخالفة للشريعة الإسلامية، لا سيما وأنني درست القانون الوضعي مقارنا بالشريعة الإسلامية، ولبثت ردحا من عمري أقرأ في باب المقارنة إيمانا بضرورة تطبيق الشريعة، والاحتكام إليها.
قررت قبل سنة ونصف أن أفتتح مكتبا مستقلا لتعاطي مهنة المحاماة بالدين، ومساعدة الأهل، وكنت متفوقا بالتحصيل العلمي، بل كنت الأول على المحامين. في بحثي للحصول على الإجازة، وحبا في الاهتداء بالسنة أوقفت زوجتي عن العمل اعتمادا على الله -عز وجل- وطمعا برضوانه.
إلا أن الدخل المادي من عملي في المكتب بات لا يكفي أجرة المكتب، وصرت أستدين من الأهل؛ لأفي بالتزامات البيت، والانتقال للعمل، والحال هكذا منذ سنة ونصف.
أنا محافظ على الصلاة، وأذكار الصباح والمساء، وعلاقتي طيبة بوالدي جدا بفضل الله، حتى بأهل زوجتي، وواصل للرحم ما استطعت، ومحافظ على الاستغفار، وأجدد التوبة من خلال صلاة ركعتي التوبة تقريبا كل أسبوع، ومحافظ على صلاة الفجر ما استطعت، وعلى الصدقة ما استطعت، وعلى النوافل ما استطعت.
إن ما جعلني أسألكم هو أنني أخشى الفتنة، فعام ونصف من غير دخل، وأنا رب أسرة، وإذا كان هناك دخل كان من خلال الاستدانة ممن لا يستدان من مثلهم، ولا أستطيع التوضيح أكثر.
بل تغرورق عيناي بالدمع في كل مرة، ولا ملجأ إلا إلى الله، وأنا أطلب مشورتكم ونصحكم، ونسأل الله مغفرته إن كان سؤالي شكوى الخالق إلى خلقه، والغني إلى الفقراء، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يفرّج همّك، ويقضي دينك، ويوسع رزقك، ويبارك فيه، وننصحك بالسعي في البحث عن عمل مباح تكتسب منه ما يكفيك، مع مراعاة أنّ العمل في المحاماة جائز بشرط اجتناب الظلم، ومخالفة الشرع.

فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن حكم العمل في مجال المحاماة في بلد يحكم بالقانون، ولو كان القانون في بعض أجزائه لا يصادم الشرع؛ خصوصا في الأمور المبنية على العرف أو مسائل الحكومات؟
فأجابت: إذا كان الاشتغال بالمحاماة لأجل إحقاق الحق، وإبطال الباطل شرعا، ورد الحقوق إلى أربابها، ونصر للمظلوم - فهو مشروع؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى، وإلا فلا يجوز لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة - 2 (1/ 375).

وإذا كانت زوجتك ترغب في إعانتك بالالتحاق بعمل مباح لا يشتمل على مخالفة للشرع، فلا حرج عليك في الإذن لها بالعمل، وإعانتها لك ببعض كسبها منه، وراجع الفتوى: 3859.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني