الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل فيما يجب فعله قبل توزيع الميراث

السؤال

أشكر المشرفين والقائمين على الموقع.
أنا أرملة، توفي زوجي منذ أسبوع، وله زوجة ثانية، ولم ينجب أولادا، ولديه إخوته ووالدته، وكان زوجي -رحمه الله- في مشاكل مع إخوته، وكانت بينهم قطيعة رحم من طرفهم. زوجي لا يملك في حقه إلا شقة ومحلا في بيت العائلة. وزوجي سجل الشقة باسم زوجاته، ونصف المحل. وزوجي عليه ديون وقروض، وإخوته الآن يريدون تقسيم الميراث، ولم يمر على وفاته أسبوع، ومن أول يوم يريدون تقسيم الميراث، وأنا أقول لهم: نسدد ديونه والقروض التي عليه أولا، ونعمل له صدقه جارية من ماله، وبعد ذلك نقسم الباقي.
سؤالي: ما هو حقي وحق زوجته الثانية في الميراث الشرعي؟ وما هو الحكم الشرع في هذا؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فنقول ابتداء: أعظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، وغفر لميتكم ولسائر موتى المسلمين.

وأما عن السؤال: فما دام أن على زوجك المتوفى ديونا، فإنه يجب أولا أن تسدد تلك الديون قبل قسمة التركة على مستحقيها؛ لأن سداد الدين مقدم على حق الورثة في المال؛ لقول الله تعالى في آيات المواريث: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ{ النساء: 11}.

جاء في الموسوعة الفقهية: دَيْنُ الآدَمِيِّ هُوَ الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ إِخْرَاجَ هَذَا الدَّيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ وَالْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا عَلَى الْوَرَثَةِ قَبْل تَوْزِيعِ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ـ وَعَلَى ذَلِكَ الإْجْمَاعُ، وَذَلِكَ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، أَوْ حَتَّى تَبْرُدَ جِلْدَتُهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ. اهـ.

وأيضا إن كان الميت لم يحج حجة الفريضة مع استطاعته ماديا، وتمكنه من الذهاب إلى الحج بعد دخول وقته، فإنه يجب على الورثة قبل قسمة التركة بينهم أن يخرجوا من التركة ما يُحَجُ به عن الميت، ولو لم يوص بالحج عنه عند كثير من الفقهاء.

قال صاحب الروض: ويُخْرِجُ وصيٌ فوارث، فحاكم: الواجب كله من دين، وحج وغيره، كزكاة، ونذر، وكفارة من كل ماله بعد موته، وإن لم يوص به، لقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء:11}. اهـ، وانظري أقوال الفقهاء فيمن مات ولم يحج في الفتوى رقم: 128212 .

وإن ضاقت التركة عن الجمع بين سداد دين الآدمي، وبين إخراج ما يحج به عنه، فقد تعددت أقوال الفقهاء في أيهما يقدم حق الله تعالى أم حق العباد إذا ضاقت التركة عنهما، وقد ذكرنا أقوالهم في الفتوى رقم: 135761. فانظريها.

وليس لأحد من الورثة بعد سداد الديون التي على الميت أن يقتطع شيئا من التركة بدون رضا الورثة ليجعله صدقة جارية على الميت، لأن التركة حق لكل الورثة، ومن سمح منهم بالتنازل عن حقه أو شيء منه ــ وهو بالغ رشيد ــ ليجعله صدقة جارية عن الميت فله ذلك، ولكن لا يجبر أحدٌ على الصدقة عن الميت بدون رضاه، كما لا يؤخذ شيء من نصيب الوارث الصغير أو الكبير غير الرشيد ولو برضاه، بل يحفظ له حقه من الميراث كاملا.
وإن بقي شيء من التركة بعد سداد الديون، وإخراج ما يُحجُّ به عنه قسم بين الورثة القسمة الشرعية، والزوجتان لهما الربع ـ بينهما بالسوية ـ إن كان الميت لم يترك فرعا وارثا ــ أي ليس له ابن، ولا بنت، ولا ابن ابن، وإن نزل، ولا بنت ابن، وإن نزل ــ لقول الله تعالى {...وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ...} النساء:12.
والعقار الذي سجله الميت باسم زوجاته إن كان ذلك التسجيل وقع على سبيل الوصية أي ليأخذنه بعد مماته لا في حياته، فإن العقار يعتبر من جملة التركة، ويقسم بين الورثة القسمة الشرعية، ولا يكون للزوجات، لأنه لا وصية لوارث.

وأما إن كان الزوجُ سجله باسمهن على أنه هبةٌ لهن، ووقعت الهبة صحيحة بشروطها، فإن العقار يكون للزوجات، ولا يدخل في جملة التركة، وشرط صحة الهبة أن يكون الزوج وهبهن العقارَ، وهو في غير مرض الموت، وأن يَكُنَّ قد استلمن العقار في حياته، وصِرْنَ يتصرفن فيه تصرف المالك. فإن اختل أحد هذين الشرطين لم تتم الهبة، ودخل العقار في الميراث، وقُسِمَ بين الورثة القسمة الشرعية.

ومن جملة الورثة إخوة الميت، فيرثونه إن لم يوجد من يحجبهم من الورثة الأقرب للميت منهم، فيأخذون نصيبهم من الميراث؛ سواء كانوا على صلة به في حياته، أو كانوا مقاطعين له؛ لأنهم يرثونه بسبب النسب لا بسبب الصلة. وقطيعة الرحم ليست مانعا من موانع الإرث، وإثم القطيعة على أنفسهم، وحسابهم على الله تعالى، ولكن لا علاقة للقطيعة بالحرمان من الميراث.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني