الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من عاهد الله على ترك وسائل التواصل الاجتماعي وشك في قصده

السؤال

ما حكم من عاهد على أن يترك التواصل الاجتماعي، ولكنه نسي هل عاهد على أنه سيتركه أبدًا، أو لفترة زمنية؟ وما حكم من عاهد على ترك شيء يروح به عن نفسه؟ وما الحالات التي يجب أن ينقض فيها عهده؟ وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المرجح عندنا في معاهدة الله أنها تكون يمينًا، ونذرًا، وتارة تكون يمينًا فقط، فإن التزم بها قربة، وطاعة، فهي نذر، ويمين، وإن التزم بها ما ليس بقربة، فهي يمين، لا نذر، وراجع في هذا الفتويين: 67979، 135742.

فالحالة التي يجب فيها إنفاذ العهد، والعمل بمقتضاه هو: إذا كانت المعاهدة على قربة، وطاعة.

وبناء على ذلك؛ فإن معاهد الله على ترك وسائل التواصل الاجتماعي، أو غيرها من وسائل الترويح المباحة، يعد يمينًا -لأن تركها من المباحات، لا من القُرُبات-، وإذا رجع إلى التعامل مع تلك الوسائل، فتلزمه كفارة يمين، لكن ترك تلك الوسائل، لا يصير واجبًا عليه بالمعاهدة؛ لأن اليمين لا يغير حكم المحلوف عليه، جاء في الإنصاف للمرداوي: لا يغير اليمين حكم المحلوف. على الصحيح من المذهب. وقال في الانتصار: يحرم حنثه، وقصده، لا المحلوف في نفسه، ولا ما رآه خيرًا. اهـ.

وأما الشك في المعاهدة على ترك وسائل التواصل: هل نُوي بها الترك مطلقًا، أو في زمن معين: فإن الشك في النية، أو نسيانها، يقوم مقام انعدام النية، كما سيأتي في كلام ابن شاس: أن القاصد إلى اليمين، لا بد أن تكون له نية، وإنما يذكرها في بعض الأوقات، وينساها في بعضها، فيكون المحرك على اليمين وهو البساط، دليلًا عليها ... اهـ.

وإذا عدمت النية في اليمين، فإنه يُرجع إلى السبب الذي هيج اليمين، فإن لم يكن هناك سبب معلوم، فيحمل اللفظ على ما يتناوله الاسم شرعيًّا، ثم عرفيًّا، ثم لغويًّا، جاء في الجواهر الثمينة: اعلم أن المقتضيات للبر والحنث أمور:

الأول: النية، إذا كانت مما يصلح أن يراد اللفظ بها، كانت مطابقة له، أو زائدة فيه، أو ناقصة عنه بتقييد مطلقه، وتخصيص عامه.

الثاني: السبب المثير لليمين [ليتعرف] منه، ويعبر عنه بالبساط أيضًا؛ وذلك أن القاصد إلى اليمين، لا بد أن تكون له نية، وإنما يذكرها في بعض الأوقات، وينساها في بعضها، فيكون المحرك على اليمين، وهو البساط، دليلًا عليها، لكن قد يظهر مقتضى المحرك ظهورًا لا إشكال فيه، وقد يخفى في بعض الحالات، وقد يكون ظهوره، وخفاؤه بالإضافة.

الثالث: العرف: أعني ما عرف من مقاصد الناس في أيمانهم.

الرابع: مقتضى اللفظ لغة، ووضعًا. والمشهور أن هذه الأمور على ما ذكرناه من الترتيب. اهـ.

وجاء في دليل الطالب لمرعي الكرمي: يرجع في الأيمان إلى نية الحالف .. فإن لم ينو شيئًا، رجع إلى سبب اليمين، وما هيجها .. فإن عدم النية، والسبب، رجع إلى التعيين .. فإن عدم النية، والسبب، والتعيين: رجع إلى ما تناوله الاسم، وهو ثلاثة: شرعي، فعرفي، فلغوي، فاليمين المطلقة، تنصرف إلى الشرعي، وتتناول الصحيح منه ... فإن عدم الشرعي، فالأيمان مبناها على العرف ... فإن عدم العرف، رجع إلى اللغة. اهـ. باختصار.

وحسبنا هذا التأصيل العام.

وأما الحكم على المعاهدة التي سألت عنها بخصوصها، فلا بد فيه من معرفة اللفظ، الذي حصلت به المعاهدة بالتحديد؛ ليتسنى لنا الحكم عليها.

وراجع في هذا الفتويين: 253582، 32580.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني