الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يعزم ويحلف على ترك مشاهدة المعاصي ويحنث

السؤال

يعطيكم العافية وبارك الله فيكم. أنا إنسان ملتزم -والحمد لله- بجميع شعائر الدين من صلاة وصيام، وأصلي التراويح مع الإمام حتى يفرغ من صلاته، أغض البصر عن النساء في الطرقات، ولا أتكلم إلا بالكلام الحسن، وأكتم خيري، وأظهر نواياي للناس كما هي، ومضت سنون منذ وقع على لساني كلمة سيئة (وليست بذيئة).
ابتليت منذ الصغر بصحبة سيئة عرفوني على مشاهدة المعاصي على الإنترنت، ولم أكن مدركاً لخطورتها حينئذ، ولكنني أثناء نموي اعتدتها، وأصبحت جزءًا من حياتي، وتهيكل دماغي على مشاهدتها، وحاولت تركها أكثر من مرة صادقا لكنني فشلت، ما ألبث شهرا حتى أعود إليها. وقد حلفت منذ بضعة أشهر على تركها، ولكنني حنثت قاصدا، وكفرت اليمين بصيام ثلاثة أيام.
وقبل بداية شهر رمضان لهذا العام حلفت يمينا صادقا بتركها، وأقسمت على المصحف، ولم أنو فعلها، لكنني تصفحت في أماكن كنت مدركا أنني قد أقع فيما حلفت عليه إن لم أكن حذرا فيها، وبالفعل وقعت أكثر من مرة، ولكن بدون نية أي أنني لم أنو الحنث في اليمين، لكنني أشعر أنني حنثت باليمين، وأشعر بالضيق الشديد، ولا أستطيع التفكير في شيء طوال يومي، غير أنني أشعر أني حنثت عهدي مع الله، وحتى الآن لم أنو نية كاملة لفعل ما حلفت على تركه، مع أنني وقعت فيه، وأنا كنت مدركا للخطر نوعا ما، حيث إنني أدركت صعوبة تركها مباشرة، فبدأت بالتدرج في ترك المعصية، لكنني لم أبحث عن المعصية العظمى التي حلفت على تركها، ولكن ظهرت هنا وهناك أثناء تصفحي.
المشكلة أنني لا أستطيع التخلص من ضيقي؛ لأنني لا أعرف كيف يمكنني التكفير عن يميني إن كنت حنثت به في شهر رمضان، حيث إنني لم أصل السن الذي يمكنني من إطعام المسكين وغيرها (17 عاما).
لو أنني اقتلعت كل الجذور التي تقودني إلى المعصية، وتبت إلى الله، هل أكون حنثت بيميني؟ وهل يجب أن أنتظر حتى ينتهي رمضان لأصوم الثلاثة أيام؟ وما نصيحتكم لي في حالتي هذه؟ فوالله إن الله قد أنعم علي بالتزام عجز عنه بعض الشيوخ في مجتمعي، والحمد لله، لكنني ولحاجة عقلية تعلقت بهذه المعصية، وأفسدت عليَّ حالي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فههنا أمور نبينها لك.

أولا: أمر التوبة يسير بحمد الله، فما هي إلا مجاهدة صادقة، وأخذ بأسباب الاستقامة، ولجأ وضراعة بصدق إلى الله تعالى، ثم إنك سترى العون منه، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت:69}.

فعليك أن تأخذ بأسباب ترك تلك المعصية من صحبة الصالحين، ولزوم حلق الذكر، ومجالس العلم، وإدمان الفكرة فيما ينفعك في دينك ودنياك، وتقوية مراقبة الله تعالى في قلبك.

ثانيا: مهما تكرر الذنب، فكرر التوبة، فإن الله لا يزال يتوب على العبد ما تاب العبد إليه، وكلما تبت فإنك ترجع من ذنبك كمن لم يذنب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

ثالثا: إن كنت عاجزا عن الإطعام أجزأك الصيام في الكفارة، ويرجع في يمينك الثانية إلى نيتك، فإن كانت نيتك عند الحلف ترك أشياء بخصوصها، ثم إنك لم تشاهدها فإنك لم تحنث، وإن لم تكن لك نية، فيرجع إلى سبب اليمين وما هيجها، فإن عدم ذلك كله، فيرجع إلى ما يقتضيه ظاهر لفظك، وانظر الفتوى: 309673.

وإذا شككت في كونك حنثت أو لا، فالأصل عدم الحنث، وإذا حنثت في يمينك، وعجزت عن الإطعام -كما تذكر- فعليك صيام ثلاثة أيام، ولا يمكن إيقاعها في رمضان لتعينه للفريضة، ومن ثم فإنك تصومها بعد رمضان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني