الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

عمري 38، من 23 سنة ورزق والدي منقطع تماما؛ رغم عمله، وباع كل أملاكه، وأنا كلما هممت بالتقرب إلى الله والاستغفار والدعاء واللجوء إليه تزداد همومي ومشاكلي إلى درجة تحرق صدري حرقا، وتتوقف الدنيا عن الحركة، وهذا حصل خمس مرات، عندما كنت في عمر 20 و26 و28 و34 و38. كلما تقربت لله، وهممت بكثرة الدعاء والإقلاع عن الذنوب كبيرها وصغيرها، زادت الهموم والمشاكل، وزاد التعسير، وزاد اليأس والإحباط، وتراكمت الأشياء السيئة التي تضيق وتنكد العيش.
مثال: أول ما تركت التدخين انقطع الرزق تماما، ولم يعد يأتي ربع الربع، وظهرت مشاكل صحية، وتعب، وأحاطتني الدنيا بكل مشاكلها، ولم أعد للتدخين، لكن المشاكل تراكمت وازدادت. وهذه السنة قبل رمضان قلت سأبدأ دعاء، والتزاما دائما دون تقصير بإذن الله، ولكن ما إن بدأت حتى بدأت تحدث أشياء تسبب لي ضيقا ونكد العيش إلى درجة لا يمكن تخيلها؛ يأس وإحباط لا يوصف، ونار تحرق صدري حرقا، وأبكي بحرقة ومرارة على عمري الذي ضاع كله في ضنك العيش، ولم أحقق شيئا حتى الزواج لم أتزوج إلى الآن، ودائما تعسير، ودائما قلة، ودائما حرقة، مع العلم أننا عائلة ملتزمة صلاة وعبادات بفضل الله منذ كان عمري سبع سنوات، ووالدي هكذا، لكن الذي حدث استمرار ضنك العيش والحياة ومرارها وقسوتها من 23 سنة، منذ أن كان عمري 15 عاما، والمرار والحرقة والحسرات والضنك والقلة وضيق ونكد ومرار الحياة والعيش يزيد ويتراكم بشكل لا يصدقه عقل.
مع العلم قمنا بالحج والعمرة مرات متعددة، ولم تتحسن الأمور يوما. ما الحلول؟ ما الأسباب؟ ما الذي ممكن عمله؟ مع العلم أننا نتصدق، إن كنا نملك 10 نتصدق ب 6 و7، وإن كنا لا نملك نتصدق بأي شيء نملكه. كيف يمكن معرفة ما هذا، وما السبب؟ وهل هو بلاء، أو عقاب، أو ابتلاء، أو ماذا؟ وكيف يمكن حله؟ وحاربنا كل ذلك بالدعاء والأفعال الحسنة دون نتيجة مرار في مرار، وأنا عندما تركت الدخان حصل لي زيادة وزن كبيرة. مع العلم أن مشكلة زيادة الوزن تقتلني قتلا نفسيا ومعنويا، فكلما قمت بشيء جيد أو عمل خير أجد تعسيرا، ولا أجد تيسيرا. أجد الضد والعكس، وأجد أشياء تسوؤني، وتقتلني نفسيا ومعنويا واجتماعيا، وتحطمني، وحتى عندما كنت بعمر 26 تبت واستغفرت ولجأت لله، بعد يومين خسرت الفتاة التي كنت أحبها، وارتبطت بشخص آخر، ومن يومها أنا ميت ومقتول معنويا ونفسيا. حسبي الله ونعم الوكيل. ما الحلول؟ ما الأسباب؟ ما الإجراءات؟ عملنا رقية شرعية، ومكافحة سحر، وقراءة سورة البقرة دون حل؟!

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالدنيا دار ابتلاء وامتحان، يبتلي الله -عز وجل- فيها عباده، وله في ذلك الحكمة البالغة. ومن أهم ما ينبغي أن يقابل به البلاء الصبر، فبذلك ترفع الدرجات، وتكفر الذنوب والسيئات. وراجع للمزيد في فضل الصبر الفتوى: 18103.

ولا يلزم في البلاء أن يكون عقوبة على ذنب، فنبينا -صلى الله عليه وسلم- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو من أشد الناس بلاء، وهكذا الصالحون. وكل قضاء فيه خير للمؤمن، روى أحمد في مسنده عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: عجبت للمؤمن إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيرا له. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 149963.

فالذي نوصيكم به المزيد من الصبر، والاستمرار في الدعاء مع إحسان الظن بالله -سبحانه- وعدم اليأس، فكل دعاء تدعونه ربكم لن يضيع سدى بإذن الله، روى أحمد والحاكم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن تصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر. وفي الفتوى: 119608. بيان آداب الدعاء وأسباب إجابته.

وكذلك ينبغي الاستمرار في الرقية الشرعية، إذ لا يبعد في مثل هذه الأحوال وجود أسباب غير عادية من السحر أو العين ونحوهما، وقد ذكرت ما قد يشير لذلك، وهو أنك كلما عزمت على الدعاء والاستقامة على الطاعة حدثت لك أحوال غريبة من ضيق في الصدر ونحو ذلك، وانظر الفتوى: 7967، والفتوى: 4310. سلمكم الله تعالى، وعافاكم من كل بلاء.

وننصحك في الختام في الاجتهاد في المبادرة للزواج؛ حتى تدرك كثيرا من مصالحه الدنيوية والأخروية، وإن كان المانع لك منه ضيق ذات اليد، فقد تجد من الصالحين من يزوجك ابنته باليسير، هذا مع العلم بأن الزواج من أسباب الغنى؛ كما ثبتت بذلك نصوص الكتاب والسنة، وراجع الفتوى: 194929، والفتوى: 7863.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني