الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعين لتجنب ذنوب الخلوات

السؤال

ماذا يفعل يا شيخ من كثرت ذنوبه في الخلوات حتى ناطحت السحاب، وأصبح يشعر أنه أسير لها ومنافق. مع أنني يا شيخ أصلي الفجر في جماعة، وأمشي في الليل والناس نيام، أناجي الله وأدعوه.
يا شيخ أنا أحب الله ورسوله أكثر من نفسي وروحي. يا شيخ لم يأتني أحد يطلب مساعدتي إلا ساعدته وأكثر بفضل الله، حتى أصبح الناس يأتوني كي أيسر أمورهم. يا شيخ أموري متعسرة، وأدعو الله كل يوم مرات ومرات أن ييسر أموري، ولكن أحس بضيق كل يوم ينقضي، وأموري لم تحل. ماذا أفعل يا شيخ؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فحسن ما ذكرت من حبك الله ورسوله أكثر من حبك لنفسك، وهذا واجب. ونسأل الله تعالى أن يجزيك خيرا على ذلك، ويثيبك على كل عمل صالح تعمله، وأن يثبته في ميزان حسناتك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وهذه الأعمال الصالحة ينبغي أن تكون خير معين لك على زكاة النفس، وزيادة الإيمان، وحياة القلب، والسعادة، والعيش الهنيء، فقد قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}، وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما: إِنَّ لِلْحَسَنَةِ ضِيَاءً فِي الْوَجْهِ، وَنُورًا فِي الْقَلْبِ، وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ، وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ، وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ....

وسبقت لنا فتوى بينا فيها عظم أمر ذنوب الخلوات، فنرجو مراجعة الفتوى: 362848. فما ذكرت عن نفسك من إتيانك ذنوب الخلوات وكثرتها أمر خطير يستدعي محاسبة نفسك، ومراقبة هذه الأعمال الصالحة، ومدى إخلاصك فيها، وما إن كان فيها أي نوع من الخلل يكون سببا في حرمانك من خيرها وذخرها في الدنيا والآخرة.

والتوبة النصوح من أعظم أسباب تزكية النفس، وجعل القلب حيًّا تعمره الخشية من الله، وتعظيمه، والحياء منه، والمراقبة له، فبادر إلى التوبة حتى تحظى ببركة دعاء ملائكة الرحمن للتائبين؛ كما قال تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {غافر:7}. وراجع شروط التوبة في الفتوى: 29785.

ومن كمالات التوبة من المعاصي الابتعاد عن الأسباب الداعية لها والمحفزة إليها من الصحبة السيئة ونحو ذلك، ونرجو أن تستفيد من بعض التوجيهات النافعة التي ضمناها الفتاوى: 10800، 1208، 12928.

ولعلك إذا أقبلت على التوبة النصوح يفرج الله عنك الكرب، وييسر لك كل عسير؛ لأن الذنوب والمعاصي قد تكون سبب هذا الضيق، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}، وأثر عن الفضيل بن عياض - رحمه الله - أنه قال: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي. ومن تمام أثر ابن عباس السابق: وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.

وقد يكون هذا الضيق لا بسبب الذنوب والمعاصي، ولكنه مجرد ابتلاء، والابتلاء يقابل بالصبر لتكفر السيئات، وترفع الدرجات، وراجع في فضل الصبر الفتوى: 18103، فاصبر واستمر في الدعاء، فالنصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، ومع العسر اليسر.

عافانا الله وإياك من كل بلاء، وحقق لنا كل سعادة وهناء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني