الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الانتفاع بالأرباح المكتسبة من سندات البنوك

السؤال

أنا في حيرة حقيقية، وإني والله ما أردت إلا رضا الله وجنته، فلا أتحمل ذنبا كالربا، ولا حربا كحرب الله ورسوله؛ فأرجو الرد على سؤالي.
أعمل في دولة خارج مصر، وأردت أن أحصل على تمويل إسلامي. وهو قائم على بيع سلعة حقيقية موجودة، وأستطيع أن أعاينها، وتسديد ثمنها بالآجل. أو بيعها لإحدى الشركات التي تتعامل مع الممول، وهي مختلفة عن المورد والممول، والحصول على النقد من الممول.
وقد جلست مع دكتور كبير في الفقه هناك، ومسؤول في الرقابة الشرعية، وقد أحل تلك المعاملة.
أردت أن أستثمر هذا المبلغ في مصر في أحد البنوك الإسلامية كبنك فيصل. فمجموع ما سأحصل عليه سيكون أكثر من ثمن الآجل، أو أرباح الممول. ورأيت في هذا خيرا؛ لأن المبلغ ليس بكبير لحد الاستثمار، وليست لدي خبرة في الاستثمار. ثم رأيت فتاوى كثيرة تخص بنك فيصل، رغم أن ما في موقع البنك يدل على شرعيته، وأن الرقابة الشرعية تجيز جميع معاملاته بما فيها السندات. وعلى الموقع قالوا إنها مضاربات مع البنك المركزي، ولكن سندات المركزي فوائدها ثابتة، ولكن مسؤولي الرقابة الشرعية في البنك هم من أحلوا فوائد البنوك العادية أصلا، فاحلوا سندات بنك فيصل لدى المركزي، وبنك فيصل أيضا ليس لديه خيار، من وجهة نظري.
وأنا في ريبة من هذا؛ لأني أثق في المسؤول عن الرقابة فيه، وفي علمه، رغم أنه أحل البنوك العادية.
نعم، قرأت أبحاثه في هذا الصدد، وعرفت أنه لا يتكلم إلا عن قناعة، لا إرضاء لأحد. ولكني لا أريد البنوك العادية، وأريد البنك الإسلامي وهو أيضا حوله الشكوك. وأيضا ليس من المجدي أن أتنازل عن أربعين في المئة أو أكثر من أرباحي بالبنك، كما أفتى البعض إن وضعت المال فيه.
كنت قد قررت أن أخرج عشرة بالمائة من الأرباح؛ لأن المال الأصلي ما زال دينا.
فما الرأي في كل تلك المعاملة؟ وماذا علي أن أفعل؟ وأنا أحب الاستثمار، ولكن بحكم عملي المكتبي ليست لدى الخبرة الآن إلا لأفعل ذلك لو استثمرت، وخصوصا أني مقبل على الزواج. وأراه خيرا؛ لأني سأزيد من الصدقة والزكاة، وهو أمر أيضا يهمني.
أرجو التوضيح.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما ما سبق من استثمارك للمال في البنوك المذكورة في مجال السندات، بناء على فتوى أفتاك بها من تثق في علمه؛ فلا إثم عليك في ذلك. ولك الانتفاع بالأرباح المكتسبة سابقا، ولا يلزمك التخلص من شيء منها فيما ذهب إليه بعض العلماء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في (تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء): حِلّ المال الحرام للكافر الذي أسلم بعد كسبه... ثم قال: وأما المسلم، فله ثلاثة أحوال: تارة يعتقد حل بعض الأنواع باجتهاد، أو تقليد. وتارة يعامل بجهل، ولا يعلم أن ذلك ربا محرم. وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم:

أما الأول والثاني، ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد أن ذلك ربا محرم: قيل: يرد ما قبض، كالغاصب، وقيل: لا يرده، وهو الأصح؛ لأنه كان يعتقد أن ذلك حلال، والكلام فيما إذا كان مختلفًا فيه، مثل الحيل الربوية، فإذا كان الكافر إذا تاب، يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه، فالمسلم المتأول إذا تاب، يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه؛ لأن المسلم إذا تاب أولى أن يغفر له، إن كان قد أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك، فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله...".

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: الذي يظهر لي: أنه إذا كان لا يعلم أن هذا حرام، فله كل ما أخذ، وليس عليه شيء، أو أنه اغتر بفتوى عالم أنه ليس بحرام، فلا يخرج شيئًا، وقد قال الله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}، أما إذا كان عالمًا، فإنه يتخلص من الربا بالصدقة به، تخلصًا منه، أو ببناء مساجد، أو إصلاح طرق، أو ما أشبه ذلك. اهـ.
وأما ما يستقبل: فالواجب الكف عن الاستثمار في السندات الحكومية ذات العائد الثابت، سواء أكان للبنك الإسلامي الخيار في الاستثمار فيها أو لا.

ويمكنك البحث عن بنك إسلامي تستثمر مالك لديه، بحيث يكون مجال الاستثمار لا صلة له بالحرام وشبهاته، ومن تحرى ذلك وجده.

وسل أهل العلم المختصين في بلدك عن أمثل البنوك الإسلامية وأحسنها سمعة، والتزاما بالضوابط الشرعية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني