الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أريد إدخال شريك في خدمة أرض فلاحية، فأنا أملك الأرض والبئر، فكيف تكون هذه الشراكة، مع العلم أني لا أملك المال؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الشراكة الجائزة تكون بالمزارعة، وهي أن تدفع الأرض لمن يزرعها، بجزء معلوم مشاع من غلتها.

قال ابن تيمية: المزارعة، والمساقاة: هل هي جائزة أم لا؟ على قولين مشهورين:

أحدهما: قول من قال: إنها لا تجوز، واعتقدوا أنها نوع من الإجارة بعوض مجهول.

والقول الثاني: قول من يجوز المساقاة، والمزارعة، ويقول: إن هذه مشاركة، وهي جنس غير جنس الإجارة، التي يشترط فيها قدر النفع والأجرة؛ فإن العمل في هذه العقود ليس بمقصود، بل المقصود هو الثمر الذي يشتركان فيه، ولكن هذا شارك بنفع ماله، وهذا بنفع بدنه، وهكذا المضاربة.

والقول بجواز المساقاة، والمزارعة: قول جمهور السلف من الصحابة، والتابعين، وغيرهم. وهو مذهب الليث بن سعد، وابن أبي ليلى، وأبي يوسف، ومحمد، وفقهاء الحديث: كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبي بكر بن المنذر، والخطابي، وغيرهم.

والصواب أن المزارعة أحلّ من الإجارة بثمن مسمى؛ لأنها أقرب إلى العدل، وأبعد عن الخطر. فإن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من العقود: منه ما يدخل في جنس الربا المحرم في القرآن، ومنه ما يدخل في جنس الميسر الذي هو القمار. وبيع الغرر هو من نوع القمار والميسر، فالأجرة والثمن إذا كانت غررا، مثل ما لم يوصف ولم ير ولم يعلم جنسه: كان ذلك غررا وقمارا. ومعلوم أن المستأجر إنما يقصد الانتفاع بالأرض بحصول الزرع له، فإذا أعطى الأجرة المسماة كان المؤجر قد حصل له مقصوده بيقين. وأما المستأجر فلا يدري هل يحصل له الزرع أم لا؟ بخلاف المزارعة، فإنهما يشتركان في المغنم، وفي الحرمان. كما في المضاربة، فإن حصل شيء اشتركا فيه، وإن لم يحصل شيء، اشتركا في الحرمان، وكان ذهاب نفع مال هذا، في مقابلة ذهاب نفع بدن هذا.

ولهذا لم يجز أن يشترط لأحدهما شيء مقدر من النماء، لا في المضاربة، ولا في المساقاة، ولا في المزارعة؛ لأن ذلك مخالف للعدل؛ إذ قد يحصل لأحدهما شيء والآخر لا يحصل له شيء. وهذا هو الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي روي فيها "أنه نهى عن المخابرة"، أو "عن كراء الأرض"، أو "عن المزارعة"، كحديث رافع بن خديج، وغيره؛ فإن ذلك قد جاء مفسرا بأنهم كانوا يعملون عليها بزرع بقعة معينة من الأرض للمالك.

ولهذا قال الليث بن سعد: إن الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك أمر إذا نظر فيه ذو علم بالحلال والحرام، علم أنه لا يجوز.

فأما المزارعة، فجائزة بلا ريب، سواء كان البذر من المالك أو العامل، أو منهما، وسواء كان بلفظ الإجارة، أو المزارعة، أو غير ذلك. هذا أصح الأقوال في هذه المسألة.

وكذلك كل ما كان من هذا الجنس مثل أن يدفع دابته، أو سفينته إلى من يكتسب عليها والربح بينهما، أو من يدفع ماشيته أو نخله لمن يقوم عليها والصوف واللبن والولد والعسل بينهما. اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى.

وراجع تفاصيل أحكام المزارعة في الفتاوى: 108249، 138452، 129627.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني