الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نكاح الثيب التي وكّلت المأذون ثم وافق وليها بعد تمام العقد

السؤال

أُجْبِرْت على الإقامة في تركيا بعيدًا عن أهلي، وأنا أعمل هنا، ولا أستطيع الخروج من هذه البلاد، ولشدة الفتن والعري كنت مُصِرًّا على أن أتزوج بصاحبة خلق ودين، تغار على نفسها وحشمتها، فكنت أدعو الله أن يكفيني بالحلال الطيب المبارك، رغم ضعف أموري المادية، وجهلي للكيفية، فشاء الله أني صادفت فتاة تكبرني سِنًّا على مواقع التواصل الاجتماعي، فأخبرتها بطلبي الحلال مباشرة، وكنا على وفاق في أمور كثيرة، وعلمت منها دينها وخلقها، ورأيتها ضمن ما يوافق الشرع، وعزمت على أن تستعجل بقدومها إلى تركيا؛ تجنبًا للوقوع في الحرام، وامتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: دواء المحبين الزواج؛ ولأجل أن أعفَّ نفسي وزوجي، وشاء الله أن قدمت، وعقدنا، ووجدتها ملتزمة دَيِّنَة ذات خلق، ولكن عندي شبهات في العقد، فأرجو توضيحها، وكنت قد قرأت أغلب ما نشرتم عن هذه المواضيع.
فهل حديث: الثيب أولى بنفسها من وليها، يخوِّلها أن تجعل المأذون وليًّا لها؟ مع العلم أنها يتيمة، ولها من الإخوة الشباب ثلاثة، اثنان منهم لا تصح ولايتهما، والثالث مسلم موحد، وأصغر منها، لكني لم أكلمه إلا بعد العقد، وعلمت منه عدم رفضه، وسمعت تهنئته لنا، لكنه لم يقل لي: زوّجتك موكلتي، وما إلى ذلك، ولكن المأذون قالها، فهل العقد صحيح بما أنه وجد القبول، والإشهار، وشروط النكاح؛ كالشهود، والولي (المأذون)، والمهر، وتهنئة أخيها لنا بعد الزواج؟ وأنا قد قرأت أنه إذا رفض وليها تزويجها بغير عذر شرعي، زوَّجها القاضي لمن تختاره هي؛ لأنها أولى بنفسها من وليِّها، لكنه في هذه الحالة لم يرفض، ولكنه لم يكن ممانعًا، ولكن يصعب الوصول إليه، وعلمت لاحقًا أن وليها كان يجب أن يوكِّل المأذون، وليس هي، ولكن في فترتها كان يصعب الوصول إليه، ونحن في دولة، وهو في أخرى، ولكن كان دومًا يقول لها: أنا موافق على من توافقين عليه، وعنده ثقة بها، وبرأيها، وديننا يسر، وليس بعسر، وهل أنا ممن اضطر غير باغ، ولا عاد، فأرجو الإفادة عمَّا يجب عليَّ فعله، وهل عقدي صحيح؟ أسأل الله السداد في القول والعمل لي ولكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على حرصك على البعد عن أسباب الفتن، وعلى طلبك العفاف، وتحري ذات الدين والخلق.

والولي شرط لصحة النكاح، في قول جمهور الفقهاء، وهو الذي نرجحه، وعليه الفتوى عندنا، وانظر الفتوى: 5855، ولا فرق في هذا بين البكر والثيب.

وما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها. فليس مقصودًا به عدم اشتراط الولي للثيب، ولكنه متعلق بأمر الرضى، وأن الثيب أحق بالرضى، فلا تتزوج حتى تنطق بالإذن، بخلاف البكر, فيكفي في حقها السكوت.

وبناء على ما نفتي به؛ يكون هذا العقد فاسدًا، ولا اعتبار لموافقة الولي بعد تمام العقد، قال الخطابي في معالم السنن: العقد إذا وقع بلا إذن الأولياء، كان باطلًا، وإذا وقع باطلًا، لم يصححه إجازة الأولياء. اهـ.

والأمر على ما قرأت من أنه إذا لم يمكن الولي الحضور، وكّل من يقوم مقامه، وراجع فتوانا: 154203.

وإن كان غائبًا، ولا يمكن الوصول إليه، أو مراسلته، ولم يوجد غيره من الأولياء، تولّى القاضي نكاحها.

فإن لم يوجد القاضي المسلم، فإنها توكّل رجلًا عدلًا من عامة المسلمين، كما ذكر الفقهاء، وتجد كلامهم في الفتوى: 72019.

ولكن محل فساد هذا العقد هو ما لم يمضه قاض يرى صحته، أو تكونا مُقَلِّدَين فيه لمن يرى عدم اشتراط الولي، وإلا كان صحيحًا.

وننبه إلى أنه يجب على المسلم سؤال أهل العلم فيما يحتاج إلى معرفة حكمه الشرعي قبل الإقدام على الفعل، قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته، فيما لا يعلمه من أمر دِينه، ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه؛ حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني