الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم هجر من يحصل الضرر منه

السؤال

أنا فتاة تغربت في دولة أوروبية في سن مبكرة جدا 19 سنة. لم أكن أتقن اللغة؛ لذا عشت هذه الفترة وحدي دون أصدقاء أو معارف.
بعد ما يقارب ست سنوات، تعرفت على سيدة أجنبية اعتنقت الإسلام. وبعد ذلك تعرفنا على سيدة ليست بمسلمة، وأخرى مسلمة، لكنها تعيش مثل الكفار.
المهم أن الأولى تصوم وتتصدق، ولكن كلامها جارح، تنهرني أمام الناس على أبسط الأشياء. تفضح أسراري على الملأ، تعتني بالسمينة وضعيفة الشخصية والعربية (تقول إنني متوحشة كبقية العرب) والكثير من الكلام الذي لا تفوت لقاء إلا وقالته.
كانت تتحكم بي كيف أتكلم؟ ماذا أرتدي حتى إنها تريد أن تعرف أين أذهب؟ وماذا أفعل؟ ومن هم أصدقائي؟ أما هي فتجيبني إذا سألتها أن ذلك ليس من شأني.
اليوم أنا أتعالج عند طبيب نفسي من الاكتئاب، وانعدام الثقة بالنفس، والرهاب الاجتماعي. وقد لجأت إلى الطبيب بعد خلاف دار بيننا مؤخرا؛ إذ تكلمت عني هذه الأخيرة لصديقتي الأخريين، وانزعجت حين علمت صدفة، وطلبت تفسيرا؛ فأجابتني بالابتسام. فابتعدت عنهما مدة.
وحين عدت رفضتا الإجابة على هواتفهما، وأصبحتا تهربان مني ولا تلقيان السلام علي، فذهبت للمسلمة العاصية، وأخبرتني أنهن اتفقن على أن لا يكلمنني مرة أخرى بسبب سرعة غضبي، وأنهن لا يردنني في حياتهن، مع العلم أنها المرة الثانية في هذه السنوات الثلاث من الصداقة.
سؤالي هو: هل يجوز أن لا أسلم عليهن أيضا وأن لا أسامحهن إذا أتين إلي (مع العلم أنهن نمامات حتى في ما بينهن، وهذا طالما أزعجني)
وهل يجوز هجر صديقتي بسبب الأذى النفسي الذي يسببه كلامها الجارح وتصرفاتها. مع العلم أنها لا تتعظ إذا ما سامحتها، وأنها تظن أن الله يحبها أكثر من الناس، وأنها محبوبة من الجميع رغم أن الأغلبية يكرهونها ولا يتجرؤون على إظهار ذلك خوفا من ردودها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيجوز شرعا هجر أهل الفسوق والعصيان، ومن تكون مخالطته جالبة لشيء من الضرر والأذى في الدين أو الدنيا.

قال ابن عبد البر في التمهيد: وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه. فإن كان ذلك، فقد رخص له في مجانبته وبعده، ورب صرم جميل، خير من مخالطة مؤذية. اهـ. ومنه يتبين لك أن من ذكرت على هذا الحال الموصوف عنهن بالسؤال، فلا حرج عليك في هجرهن، وكلامنا هذا شامل لصديقتك التي تتكلم معك بكلام جارح يسبب لك الأذى النفسي. وإذا كان هذا في هجر المسلم العاصي، فالكافر أولى.

وهجر العصاة تراعى فيه المصلحة، فإن كان الهجر أكثر فائدة، فينبغي المصير إليه.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن كانت المصلحة في ذلك أي في هجر العاصي -راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر.. بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً، ويهجر آخرين. اهـ.
ومن جاءت منهن معتذرة طالبة المسامحة، فالأصل أن العفو أفضل؛ لأنه قد حث عليه الشرع وندب إليه، ولكن قد يكون ترك العفو أفضل في بعض الحالات، كما بينا في الفتوى: 112756.

وبقي أن ننبه إلى أن الأحرى بك أن تحسني اختيار من تصادقين، فاحرصي على الصالحات؛ ليذكرنك إذا نسيت، ويكن عونا لك في الطاعة، ولا نظن أنه من الصعب أن تجديهن.

ومن أفضل السبل لذلك الحرص على حضور مجالس العلم والخير في المراكز والهيئات الإسلامية، فهي من الأماكن التي يمكن أن تتعرفي فيها ببعض النساء الصالحات. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 9163، والفتوى: 216487، والفتوى: 10800.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني