الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وضع الأمّ المصابة بالزهايمر في دار لرعاية المرضى

السؤال

أمي عمرها 84 عامًا، ومريضة بالزهايمر في مرحله متأخرة جدًّا، ولم تعد تستطع خدمة نفسها، وأنا أعمل بالخارج، وكانت عندي فترة، إلى أن رجعت بعد انتهاء التأشيرة، ولدينا بيت كبير في الرياض، ويعيش فيه أخي الأكبر غير المتزوج، ولا يرعى أمي أبدًا، وكان لديَّ ثلاثة حلول:
الأول: أن أتركها مع أخي، مع العلم أن أخي لا يرعاها، ولا يسمح لأحد من أقاربنا برعايتها، ولا حتى زيارتها.
الثاني: أن أؤجر شقة، وأؤجر من يخدمها.
الثالث: أن أضعها في دار لرعاية مرضى الزهايمر، وليست دار مسنين؛ حيث يوجد عاملات، وممرضات، وطاقم إشراف طبي.
ولم يكن لديَّ خيار أفضل من الثالث، وكنت أنزل لزيارتها كل شهر لمدة أربعة أيام، ولكني لا أنام، وأفكّر فيها دائمًا؛ حيث إنني متأكد أنها غير مرتاحة في ذلك المكان، مع العلم أنها مكثت معي ستة أشهر في البلد التي أعمل بها، ولم تكن مرتاحة أيضًا؛ رغم توفيري لها كل شيء، ولكنها طبيعة مرضى الزهايمر، فهل أخطأت فيما فعلت، رغم أن الحل الذي اخترته يكلّفني أعلى من أيِّ حل آخر؟ أفيدوني -أفادكم الله-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على الحرص على البرّ بأمك.

ولا شك في أن بر الأمّ من أشرف المقامات، ومن أفضل القربات، فقد أوصى الله تعالى بالوالدين، وأكد الوصية بالأمّ خصوصًا، وذكَّر بما عانته في الحمل، والوضع، والرضاع؛ حيث قال في محكم كتابه: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}، وقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا.. {الأحقاف:15}.

وأعطت السنة الأمّ ثلاثة أرباع البر، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك. قال ثم من؟ قال: ثم أمّك. قال ثم من؟ قال: ثم أمّك. قال ثم من؟ قال: ثم أبوك.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأمّ ثلاثة أمثال ما للأب من البرّ، قال: وكان ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأمّ، وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية. اهـ.

والأمّ التي تحتاج إلى رعاية، تجب رعايتها على جميع أولادها، كل بحسبه، فلا يجوز لأخيك تجاهل أمر أمّك، وكأن الأمر لا يعنيه، ففي هذا نوع من العقوق.

ومن الغريب أن لا يرعاها، ولا يسمح مع ذلك للأقارب برعايتها، أو زيارتها، فينبغي أن ينصح في ذلك برفق، ويبين له ما يجب عليه تجاه أمّه.

والأصل أن أحد الوالدين، أو كلاهما إذا بلغا هذه السن، فإنهما يكونان في رعاية أولادهما، وكنفهما، لا أن يتخلصوا منهما، ومن حقوقهما بوضعهما في دار للمسنين، ونحو ذلك.

ودار الرعاية المذكورة -وإن كانت أشبه بالمستشفى-، إلا أن ترك الأمّ فيها مع العاملين في دار الرعاية، دون وجود بعض أولادها، أو أقاربها، قد لا يخلو من محذور، فلا يدرى نوع المعاملة التي يمكن أن تعامل بها، فقد تسبّ، أو تزجر، أو تضرب، فلا تتركوها في مثل هذه الدار على هذه الحال، إلا إذا كان هذا هو الحل الأمثل لحفظها من الضياع.

وأما كونها يبدو منها أنها غير مرتاحة في وجودها معك، أو في أي مكان آخر، فهذا أمر غير مستغرب ممن هو في مثل سنّها، مع الإصابة بمرض الزهايمر، فالمهم أن تختاروا لها المكان الذي تتوفر فيه الرعاية التامة لها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني