الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناقشة الوالدين لبيان الحقيقة هل يدخل في العقوق؟

السؤال

أحببت أن أستفسر عن أمر يشغلني دائمًا، فأمّي - حفظها الله - تفرّق بين الإخوة والأخوات، فالذي يشتغل وعنده وظيفة هو الأفضل في عينها، وأنا ما زلت طالبة، ومكثت كثيرًا في الجامعة بسبب ظروف معينة ليس لها علاقة باجتهادي، ودائمًا أحصل على درجات عالية، لكن أمّي لا تهتم، ولا تسأل، وأنا -والله- تعبت، ولا أدري ماذا أعمل، فهي دائمًا تعاتبني، وأيُّ شيء أفعله تقول عنه غلط، فلو اشترت لأختي التي تشتغل فستانًا ومدحتها فيه، واشترت لي أي فستان، ولم يعجبني، وقلت لها: لونه ليس جيدًا، ولم يعجبني، تصرخ فيَّ، وتقول لي: كفى فصاحة وتطويل لسان، وأنا لم أعبّر إلا عن رأيي فقط، وتنظر لي كأنني طفلة لا تعرف شيئًا، حتى أنهم مرة خرجوا كلهم من البيت، وجاءت جارتنا وضيفتها، ثم ذهبت، وعندما رجعت أمّي وأخواتي، قالوا: من المؤكد أنكِ فضحتِنا، فأنت طفلة لا تعرف أن تفعل شيئًا، وهم يستهينون بقدراتي، ويحبون أن يستهزئوا بي.
أنا تعبت، وإذا حصل شيء -ولو بسيطًا- تقول أمّي لي: قليلة أدب، وطويلة لسان، مع أني أقول الحقيقة من غير أن أرفع صوتي، فإذا رددت على أمّي بأدب، ثم هي صرخت من غير سبب، وقالت: لا تتكلمي، ولا تبدي رأيك، فهل ما قمت به فيه حرمة؟ رغم أن أبي لا يفعل مثل ذلك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا التصرف الذي ذكرتِه عن أمّك في الحقيقة مستغرب؛ لأن الأصل في الأمّ أن عندها مزيد عطف، وشفقة، وحرص على عيالها، فنرجو أن تلتمسي السبب الذي يحملها على ذلك، فقد لا يكون ما ذكرت من كون الأخريات لهنّ وظائف:

فإن كان أمرًا أساءت فهمه، بينتِه لها، وإن كان أمرًا يتطلب الاعتذار لها، اعتذرتِ لها، هذا مع الاجتهاد في الدعاء أن يصلح الله عز وجل الحال بينك وبينها.

وقد ذكر أهل العلم أنه يستحب للوالد -أبًا كان أمْ أمًّا- أن يسوي بين أولاده في كل شيء، وأنه يكره التفضيل بينهم؛ لأن ذلك أعون لهم على البر بهما، وأبعد لهم عن الوقوع في العقوق، قال ابن قدامة في المغني: ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل، قال إبراهيم: كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القُبَل. اهـ.

فما تفعله أمّك من اهتمامها بأخواتك دونك أنت، مما لا ينبغي لها فعله، وكذلك تعاملها معك على أنك مجرد طفلة لا تحسن التصرف، بل لو كان حالك كذلك، لكان عليها التوجيه، والتقويم.

وأما التفضيل في العطية خاصة، كما هو الحال فيما ذكرت من أمر الفستان، فالواجب عليها العدل بينكنّ في ذلك، ولا يجوز التفضيل إلا لحاجة، على الراجح من أقوال الفقهاء، وانظري لمزيد الفائدة الفتوى: 6242.

وكلامك مع أمّك لبيان الحقيقة لها إن كان بأدب، واحترام، ومن غير رفع صوت، ونحو ذلك -مما ليس فيه إغضاب لها-، فإنه لا حرج فيه، ولكن ينبغي أن تراعي المصلحة، فقد تكون المصلحة أحيانًا في السكوت.

وعلى كل؛ فعليك الصبر على أمّك، والدعاء لها بخير، وأن يرزقها الله الرشد، والصواب.

وإن وجدت رجلًا صالحًا تتزوجين منه، فهو أمر حسن، قد يكون عونًا لك في البعد عن هذه الإشكالات مع أمّك.

ويجوز شرعًا للمرأة أن تبحث عن الرجل الصالح، أو أن تعرض نفسها على من ترغب في زواجه منها، وقد ترجم البخاري في صحيحه: باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح.

وأورد تحته قصة الواهبة، وهي المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم للزواج منها، وذكر الحافظ ابن حجر في فوائد هذا الحديث: جواز عرض المرأة نفسها على الرجل، وتعريفه، رغبتها فيه، وأن لا غضاضة عليها في ذلك.... اهـ. وراجعي الفتوى: 18430.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني