الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراجعة الزوجة بعد الخلع دون ولي ولا شهود

السؤال

زوجتي طلبت مني الخلع بيننا دون الذهاب للمحكمة، ووافقتها، واتفقنا على البدل، وبعدها بشهر عقدنا لأنفسنا بإيجاب وقبول دون ولي، ولا شهود، وسألنا أحد أهل العلم، فقال بجواز الزواج دون ولي ولا شهود، كما فعل الحسن بن علي -رضى الله عنهما-، بعد ذلك حدثت بيننا مشاكل جمّة؛ فطلقتها طلقة في طهر لم أجامعها فيه، ثم تراجعنا، ثم طلقتها في طهر لم أجامعها فيه، ثم راجعتها، ثم طلبت مني الخلع؛ فوافقت، وعندما سألتني عن البدل، قلت لها: لوجه الله، فهل يصح الخلع الأول؟ وهل يحتسب طلقة من الطلقات؟ وهل يصح العقد بلا شهود؟ وإذا لم يصح، فهل الطلقات التي وقعت بعده تعد طلقات أم لا؟ وهل الخلع الأخير يصح بلا بدل؛ فأنا وزوجتي في حيرة من الأمر؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان الواقع ما ذكرت من أن زوجتك قد طلبت منك الخلع، وأجبتها إليه، وتم الاتفاق على عوض؛ فالخلع واقع، ولا يشترط لوقوعه أن يكون في المحكمة الشرعية، قال ابن قدامة: ولا يفتقر الخلع إلى حاكم، نصّ عليه أحمد، فقال: يجوز الخلع دون السلطان... اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 13702، ففيها بيان أركان الخلع.

والنكاح دون ولي ولا شهود، فاسد باتفاق المذاهب الأربعة، كما سبق أن بينا في الفتوى: 17568.

ولكن الخلاف حاصل في حكم هذا النكاح، وممن ذهب إلى القول بصحته داود الظاهري، نقل ذلك عنه الرملي الشافعي في نهاية المحتاج، وقد نقلنا كلامه في الفتوى: 71515.

وقولك: (كما فعل الحسن بن علي -رضى الله عنهما-) إن قصدت به أنه يقول بصحة النكاح بلا ولي ولا شهود، فلم نقف على ما يثبت نسبة ذلك إليه.

ولكن نسب إليه ابن قدامة في المغني القول بصحته بلا شهود، حيث قال: وعن أحمد أنه يصح بغير شهود. فعله ابن عمر، والحسن بن علي... اهـ.

ويقع الطلاق في النكاح المختلف في فساده، فإن طلقتها -كما ذكرت- بعد ذلك طلقتين، فقد بانت منك زوجتك بينونة كبرى، فيجب عليك مفارقتها، فلا تحل لك حتى تنكح زوجًا غيرك -نكاح رغبة لا نكاح تحليل-، قال تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {البقرة:230}.

والخلع الأخير لا اعتبار له؛ لأنه لم يصادف محله، وهو الزوجة.

وللفائدة راجع الفتوى: 146619، ففيها بيان ما يترتب على الخلع بغير عوض.

وننبه إلى أن الحياة الزوجية رباط مقدس، سمّاها رب العالمين في كتابه بالميثاق الغليظ، فقال تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}، وفي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- في قصة خطبة الوداع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله... الحديث.

فلا ينبغي أن تعرض الحياة الزوجية للوهن لأدنى سبب، فليس الطلاق بالحل الوحيد أو الأول، عندما تطرأ المشاكل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني