الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتفاء بغسل واحد عن الحيض والجنابة

السؤال

أشعر أنني أعيش في سجن وصراع داخلي، وأرجو أن تُفتوني في أمري.
كنت أمارس العادة السرية جاهلة بحكمها، وأشعر بلذة ورعشة وفتور بعدها، وكان يخرج المذيّ، ولكني لا أعلم هل كان يخرج معه منيّ أم لا، والمشكلة أنني ذهبت للحج مرتين، وأديّت عمرات لا أعلم عددها، وبعد أن عرفت حكم العادة تبت إلى الله، ولا أعلم ما حكم الحجتين اللتين أديتهما.
وعندما كنت أغتسل من الحيض، كنت أنوي رفع الحدث الأكبر، لكن دون أن أنوي الطهارة من الاستمناء، إذا كان قد خرج مني السائل الموجب للغسل، ولم أعلم إن كان خرج أو لا، فقد كنت متيقنة من خروج المذي، أما المني فلا أعلم، فهل غسلي يجزئ للطهارة كاملة؟ وهل حجي صحيح أم إني لا زلت مُحرمة؟ المشكلة الأخرى هي أني قد عقد نكاحي بعد أداء الحجتين والعمرات، ولا أدري هل عقد النكاح الآن باطل أم لا؟
أنا مصابة بالوسواس، وكلما تذكرت الحجتين، أشعر بحرقة ونار تكويني، ولا أعلم ماذا أفعل؟
أرجوكم أن تفصلوا في مسألتي، فأنا لا أعلم ما الذي عليّ فعله، سواء من أجل النكاح، أم من أجل الحجتين والعمرات السابقة؟
أتمنى أن أموت ولا أبقى في هذا العذاب، ولا أستطيع الذهاب للحج الآن؛ لأني في بلد آخر، وأنا أظل ساعات أفكر وأبكي هل خرج منيٌّ وقتها أم لا، فقد وصلت لقمة اللذة، ولم أصل لنتيجة، ولا أعلم ما الذي عليَّ فعله؟
أنا حبيسة أفكاري وصراعاتي، وبدأ الأمر يؤثر عليَّ بقوة، وأنا نادمة مما كنت أفعله، وأقول أحيانًا: ليتني لم أحج أو أعتمر.
أنا يائسة ومحبطة، فأرجو منكم أن تفتوني -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

في البداية: نسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل مما تعانينه من وساوس, وشكوك, وإحباط.

ويظهر أن كل ما تسألين عنه أوهام، وتخيلات من جراء تلك الوساوس.

فننصحك بالرجوع إلى الله تعالى، وكثرة التضرع إليه أن يذهبها عنك، ثم لا شيء أنفع لعلاجها من الإعراض عنها, وعدم الالتفات إليها, وراجعي الفتوى: 3086.

وقد سبق أن بينا في الفتوى: 2179 حكم العادة السرية, وذكرنا حرمتها, ولزوم التوبة النصوح منها، ونسأل الله أن يثبتنا وإياك.

ثم اعلمي أنه لا يجب الغسل بخروج المذي، ولا بمجرد فعل العادة السرية، وإنما يجب الغسل إذا ترتب على فعلها خروج المنيّ.

ومن ثم؛ فإذا لم تتحققي من خروج المني، فلا غسل عليك, ومواصفات مني المرأة، قد ذكرناها في الفتوى: 131658.

وبخصوص قولك: (عندما كنت أغتسل من الحيض، كنت أنوي رفع الحدث الأكبر، لكن دون أن أنوي الطهارة من الاستمناء)، فنقول: إن نية رفع الحدث الأكبر، يندرج تحتها الغسل من دم الحيض، كما يندرج تحتها خروج المني -على فرض خروجه منك-، سواء كان باستمناء أم بغير ذلك.

فعلى هذا؛ فمن نوت رفع الحدث الأكبر في غسلها، فإن هذه النية تكفيها عن الغسل من الحيض، والغسل من خروج المني.

وإنما اختلف العلماء إذا نوت الغسل من دم الحيض، ولم تنوِ الغسل من خروج المني، فقيل: لا يجزئها الغسل عنهما، وإنما يجزئها عما نوت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى. وقيل: يجزئها عنهما؛ لأنها نوت رفع حدث أكبر، قال ابن قدامة في المغني: فصل: إذا اجتمع شيئان يوجبان الغسل -كالحيض، والجنابة, أو التقاء الختانين, والإنزال- ونواهما بطهارته، أجزأه عنهما. قاله أكثر أهل العلم, منهم: عطاء, وأبو الزناد, وربيعة, ومالك, والشافعي, وإسحاق, وأصحاب الرأي, ويروى عن الحسن, والنخعي في الحائض الجنب يغتسل غسلين، وإن نوى أحدها, أو نوت المرأة الحيض دون الجنابة: فهل تجزئه عن الآخر؟ على وجهين: أحدهما: تجزئه عن الآخر؛ لأنه غسل صحيح, نوى به الفرض, فأجزأه, كما لو نوى استباحة الصلاة، والثانية: يجزئه عما نواه دون ما لم ينوه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى. انتهى بتصرف.

وبناء على ما تقدم؛ فإنك ما لم تحققي تأدية عباداتك وأنت على جنابة، فإن صلاتك صحيحة، وطوافك في الحج والعمرة صحيح، ومن ثم؛ فإن التحلل من النسك قد حصل باكتمال أعماله، حجّا كان أو عمرة، ويكون النكاح صحيحًا، إن توفرت أركانه وشروطه، وانتفت موانعه.

والواضح أن الأمر لا يعدو الوساوس التي تملكتك، وجعلت حياتك وعباداتك عذابًا وإعناتًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني