الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اشتراط أحد الورثة حصوله على مبلغ أكبر من غيره للموافقة على البيع

السؤال

توفيت والدتي إلى رحمة الله تعالى عام 2008، وتركت منزلًا من دورين: الدور الأرضي به شقتان، والدور الثاني به شقة واحدة، والمنزل قديم، بني في أول ستينات القرن الماضي، ويتميز بأنه على شارع، وبجوار المنزل تركت أيضًا -رحمها الله- قطعة أرض صغيرة تقع خلف المنزل.
نحن خمسة أشقاء: ثلاثة ذكور، وثنتان من الإناث، وقد دأبت إحدى أخواتي التي توفي زوجها إلى رحمة الله تعالى منذ سنوات عديدة على المطالبة بنصيبها من ميراث والدتي منذ سنوات عديدة، وقد تعذَّر ذلك لعدم استطاعتنا بيع البيت، أو الأرض المقام عليها؛ لأن أحد أشقائي يقيم في الشقة الكائنة في الدور الثاني، مع العلم أن شقيقي هذا قام بتشطيب الشقة التي قامت والدتي -أدخلها الرحمن فسيح جناته- ببنائها، ثم تزوج، وأقام في هذه الشقة في حياة والدتي، كما يتعذر بيع قطعة الأرض؛ نظرًا لأن موقعها خلف البيت، وعدم وجود منفذ لها على الشارع غير مدخل صغير؛ مما يجعلها غير مرغوب فيها.
وفي الأيام الأخيرة أبدى شقيقي الذي يقيم في الشقة موافقته على بيع المنزل أو الأرض المقام عليها، وكذلك قطعة الأرض التي تقع خلفه، إلا أن شقيقي الآخر يصرّ على أن نقوم بدفع مبلغ كبير لشقيقي مقابل تركه الشقة؛ حتى نتمكن من البيع، ومقابل قيامه بتشطيب الشقة قبل الإقامة فيها، كما طلب شقيقي الذي يقيم في الشقة تعويضه عن ترك الشقة، مع العلم أن شقيقي هذا يقيم في هذه الشقة منذ أكثر من ثمانية عشر عامًا دون أن يدفع إيجارًا لها، وقد أفادنا شقيقي أنه في حالة عدم موافقتنا، فإن شقيقي لن يترك الشقة، ولن نتمكن من البيع، وفي حالة مطالبتنا بنصيبنا الشرعي في ميراث والدتي سوف يقوم بتقسيم البيت والأرض حسب نصيب كل فرد في الميراث، وكتابة ذلك على الورق؛ بحيث لا يستطيع أحد أن يبيع نصيبه، أو أن يرفض شقيقي ترك الشقة حتى لا يمكن البيع.
أرجو التكرم بإفادتي بالرأي في جواز حصول شقيقي على مبلغ كبير من المال، وإلا فإن البيع لن يتم، ويحرم الجميع من الحصول على نصيبه من ميراث والدتي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبداية: ننبه على أن فصل الحكم في مسائل المنازعات والحقوق المشتركة، إنما هو إلى القضاء، وما ينوب منابه، وإنما يسعنا هنا أن ننبه على أمور ومسائل عامة يتعلق بها موضوع السؤال، وهنا مسألتنا:

الأولى: أن مجرد إسكان الوالد لولده شقة يمتلكها الوالد، لا يعدّ هبة، وإنما هو عارية، والعارية تنتهي بموت المعير؛ وحينئذ تتعلق بها حقوق جميع الورثة بحسب أنصبتهم. وما بناه الولد بإذن والده في حياته، يستحق قيمته على الورثة منقوضًا لا قائمًا، وقيل: قائمًا، وراجع في ذلك الفتاوى: 157969، 189443، 230680.

وعلى ذلك؛ فليس للشقيق الذي قام بتشطيب الشقة أكثر من قيمة هذا التشطيب، على خلاف بين أهل العلم، هل يقدر قائمًا أو منقوضًا؟ والجمهور على الثاني. وفي مقابل ذلك فإن بقية الورثة - إذا لم يكونوا متبرعين - يستحقون عليه قيمة الأجرة لمدة إقامته في الشقة من بعد وفاة الوالدة.

المسألة الثانية: أن العقار الموروث إن لم يمكن قَسْمُه قِسْمة شرعية على جميع الورثة، بحيث يتمكن كل واحد من استغلال نصيبه على حدة دون إضرار ببقية الورثة، فمن حق أيّ وريث أن يطلب بيع العقار، وقسم ثمنه على الورثة بحسب أنصبتهم، فإن امتنع أحدهم عن البيع، أجبره القاضي، أو الحاكم على ذلك، وراجع في ذلك الفتويين: 104153، 35945.

وعلى ذلك؛ فلا يجوز لهذا الشقيق اشتراط حصوله على المبلغ المذكور للموافقة على البيع، فإن هذا حق للورثة، وليس فضلًا أو تبرعًا منه.

وإن اضطرهم إلى بذل ذلك للحصول على حقهم، كان آثمًا، وآكلًا للمال بالباطل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني