الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسؤولية الأب ثابتة على ابنته التي تقيم في منزله وليس لها زوج

السؤال

هل مسؤولية الأب والأم نحو بنتيهما -إحداهما لم تتزوج، والثانية أرملة، وما زالتا تعيشان مع الأب والأم في منزل واحد- تنتهي بحجة أنهما كبرتا، وأنهما مسؤولتان عن تصرفاتهما شرعا. وترفضان ولاية الأب والأم عليهما حتى ولو كانت بشكل ودي؟
وماذا يفعل الأب والأم عند وجود مخالفات شرعية في ملابسهما مثلا، ولم تستجيبا لأي توجيه بأي أسلوب؟ كما أنهما تعيشان منعزلتين عن الأم والأب، بمعنى أنهما تقضيان كل وقتهما في حجرتهما المغلقة، ولا تخرجان إلا للضرورة. وحجتهما أنهما لا تفعلان شيئا خطأ، وأن من حقهما أن تعيشا بالأسلوب الذي تريدان، ولا تشاركا الوالدين أو أحدهما في شؤونهما المادية ولا غيرها، بالرغم من عدم حاجة الوالدين إليهما ماديا والحمد لله.
وكل ما يفعله الوالدان الدعاء لهما دائما بالهداية والرشاد، مع العلم أن هذه الأسرة تعتبر من الأسر الملتزمة -ولا نزكيها على الله- والوالدان حريصان جدا بفضل الله على الحفاظ على تطبيق الكتاب والسنة، وذلك منذ بداية الزواج. ولكن الحمد لله، ليس لنا من الأمر شيء.
أفيدونا أفادكم الله بالحكم والأدلة الشرعية فيما ذكر، بالنسبة للوالدين والبنتين؟
وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالبنت ما دامت في بيت أبيها لم تتزوج، ويدخل بها زوجها، فإنها تحت مسؤولية أبيها؛ فهي أمانة عنده، يسأل عنها أمام الله -عز وجل- يوم القيامة، قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11}.

قال السعدي في تفسيره: أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6}. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.

فأبوها هو وليها رضيت البنت، أم لم ترض.

وإذا ارتكبت البنت شيئا من المخالفات الشرعية كالخروج متبرجة، أو متعطرة ونحو ذلك، فعليه أن يكون حازما معها، وينهاها ويزجرها عنه، فإن أبت حبسها، ومنعها من الخروج، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.

نقل ابن كثير في تفسيره عن قتادة أنه قال في تفسير هذه الآية: يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصية الله، وأن يقومَ عليهم بأمر الله، ويأمرهم به، ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية، قَذعتهم عنها، وزجرتهم عنها. اهـ.

ولكن مجرد انعزال البنات عن الوالدين لا يعتبر أمرا محرما إلا إذا كان ذلك يحزنهما ويؤذيهما، فيكون نوعا من العقوق، وكذلك الحال بالنسبة لعدم مساعدتهما والديهما، فإن لم يكونا في حاجة للمساعدة، ولم يطلبا منهما ذلك، فلا إثم عليهما، بخلاف ما لو كانا في حاجة للمساعدة، أو طلباها منهما.

وينبغي على كل حال أن يجالسا والديهما ويؤانساهما، ويدخلا السرور عليهما، ويكونا عونا لهما في شؤونهما.

فهذا من البر والقربة إلى الله سبحانه، ومن خرج من الأولاد عن سلطان الأب وولايته، فلا يعني ذلك أنه ليس من حق الأب أن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، وينصحه ويوجهه لما فيه مصلحته.

وحسن أن يحرص الوالدان على الدعاء لهما بالهداية والرشاد، ودعوة الوالدين مستجابة، كما ثبت في الحديث الذي رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده.

وينبغي للوالدين أن يكونا قدوة لهما في الخير بحسن التعامل معها ونحو ذلك، حتى إذا قاما بالتوجيه والإرشاد، وجد ذلك منهما استجابة وعملا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني