الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إساءة الوالد لا تسقط وجوب بره على أولاده

السؤال

سؤالي عن كيفية التعامل الصحيح مع أمي، وكيف أبر بها؟ حيث إنها صعبت عليَّ هذا الموضوع، وحيَّرتني: فإنها تتعمد إسماعي كلاما مهينا، وجارحا باستمرار، وإذا عاتبتها تقول: عادي كلام فقط، لا تدققي، وأنا أمك، ويحق لي التكلم معك كما أشاء.
تسيء الظن بي دائما، ومن أي كلام أو موقف تبدأ تأويل كلامي وتصرفاتي بطريقة سيئة؛ لتبدأ وابل الشتائم والسب أمام أبنائي وإخوتي.
وهذا أكثر ما يؤلمني أنها تشتمني، وتتكلم عليَّ أمام أبنائي الصغار. وأقسم بالله يكون لسبب لا يذكر. وإذا حاولت أن أدافع عن نفسي، أو أوضح سبب تصرفي تزداد أكثر بالشتم والسب، ولا تبالي إن سمع أحد غريب سبها وشتمها لي، لا يهمها. رغم أني أحاول برها وأخدمها ولا أتركها تقوم بأي عمل مرهق لأريحها، وأقدم لها الهدايا وأودها، ولكنها بالغت بقسوتها، لحد أني أصبحت أتجنبها لأتجنب المشاكل معها، وخففت حديثي معها حتى لا أترك لها فرصة لتغييره، أو خلق مشكلة منه؛ لأن الحال وصل بها إلى أن تتهمني بأشياء لم أفعلها بالأساس، لتبدأ مشكلة لا داعي لها. وإذا دافعت أو بررت تكبر المشكلة أكثر.
وأيضا ابتعدت عن الجلوس معها بغرفتها؛ لأنها تبدأ برمي كلام جارح ومستفز لاستفزازي. تتعمد استفزازي وتجريحي، ولا تهدأ حتى تراني غاضبة أو منزعجة. حتى إذا أخطأ ابني وعمره ثماني سنوات تأتي تصرخ عليَّ أمامه، وتحاسبني بخطئه أمامه، وأني لا أربيه أو أعلمه، رغم أنها تستطيع إفهامه والكلام معه فهو أمامها. وإذا أخطأ معها بشيء، أو قصر تتهمني أنني أعلمه عليها، رغم أني والله لا يمكن أن أعمل هذا حرصا على تعليم ابني وتربيته، وغرس احترامي واحترامها فيه.
فهل أنا مذنبة، أو مقصرة في برها؟
أتعبتني وحيرتني، ولم أعد أستطيع الاحتمال. وكلما حاولت أن أستفهم منها سبب معاملتها، تثور وينتهي النقاش بمشكلة كبيرة، وسب وشتم ووعيد.
كيف أتعامل معها وأبرها؟ لم أعد أستطيع إظهار حبي لها، أو التقرب إليها، رغم أنني ليس لي أخوات أو صديقات، وأنا بطبيعتي مرتبطة بها جدا، فليس لي أحد غيرها، وأبي متوفى منذ ثلاثين عاما، وهي تعرف ذلك، ولكن سوء معاملتها لي أبعدتني عنها.
أصبحت وحيدة، وخائفة أن يعاقبني ربي على عدم قدرتي على برها وطاعتها؛ لأنني دائما مهما فعلت فهي غير راضية عني.
فهل سيعاقبني ربي؟ وهل سيستجيب دعاءها علي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن صح ما ذكرت من هذه التصرفات السيئة من أمك تجاهك، فإننا نستغربه؛ لما هو معلوم من مزيد شفقة الأم وحنانها على أولادها جميعا، وعلى البنات على وجه الخصوص.

وقد أحسنت بصبرك عليها واحتمالك أذاها، واجتنابك ما قد يكون سببا لاستفزازها وإثارة المشاكل.

وسبق أن بينا أنه مهما أساء الوالد لولده -أبًا كان هذا الوالد أم أمًّا- فلا يسقط ذلك عن ولده وجوب بره والإحسان إليه. فانظري الفتوى: 397060.

واعلمي أن من أعظم إحسانك لأمك سعيك في صلاح حالها، ومن السبيل إلى ذلك الدعاء لها، فارفعي إلى ربك يدي الضراعة. وسليه بقلب حاضر، ويقين وحسن ظن أن يهديها صراطه المستقيم، ويجنبها سبل الغواية ونزغات الشيطان الرجيم، فعسى أن تستجاب لك دعوة صالحة تصلح حالها، فتنالين رضا ربك ومحبته ومغفرته ودخول جنته. وراجعي الفتوى: 119608.

وإن كان حالك معها ما ذكرت من أنك تحاولين برها وخدمتها، وأنك تعملين على إراحتها، فلا شك في أن هذا من أعظم البر. ولكن لا يغيب عن ذهنك أنك مهما فعلت معها من إحسان، فلن توفيها حقها.

روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي بردة أنه شهد ابن عمر -رضي الله عنهما- ورجلٌ يمانيٌ يطوف بالبيت - حمل أمه وراء ظهره - يقول:

إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر
ثم قال: يا ابن عمر! أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.
وإن لم يحدث منك ما يقتضي العقوق من الإساءة أو التضجر أو العبوس في وجهها ونحو ذلك، فلست مذنبة، وللمزيد فيما يتعلق بضابط العقوق، راجعي الفتوى: 73485.

وإن دعت عليك بغير وجه حق، فنرجو أن لا يستجاب دعاؤها عليك. وراجعي الفتوى: 170683.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني