الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من لم يستطع سداد الدين حتى مات

السؤال

أخذت مالا من صديق بهدف تشغيله في تجارتي، وكنت أسدد نصيبه من الربح شهريا ولمدة تزيد عن عام. ثم طرأ ظرف قاهر على حياتي اضطرني إلى أن أوقف تجارتي وأخسر مالي. وخرجت من بلدي مكرهاً إلى بلد عربي، وتعثرت وضاقت أحوالي. وأعمل بقوت يومي وإيجار سكني، والقليل من مستلزمات الحياة، وانقطعت كل علاقاتي واتصالاتي في بلدي. وعندي نية صادقة في رد أصل المبلغ لصديقي، لكنني ما زلت متعثراً في ذلك.
السؤال: حين يكرمني ربي ويتيح لي جمع المال. ما المبلغ المفروض علي سداده: هل قيمة المبلغ يوم خرجت من بلدي، أم قيمته يوم السداد، علماً أن قيمة العملة المحلية في بلدي انخفضت مقابل الدولار انخفاضا حادا، وعلماً أنني استلمت المبلغ في يومها بالعملة المحلية، ولم نذكر يوم استلمت المبلغ قيمته مقابل الدولار، وكان الاتفاق بيننا رد المبلغ في حال طلبه بمهلة شهر من تاريخ الطلب.
وأنا لم أخسر المبلغ في التجارة، وأعلم أن أصل المبلغ دين في ذمتي يجب سداده، علماً أنه منذ يوم سفري لم أتواصل مع صديقي، ولم نتفق لا على السداد، ولا على العملة. بل وصلني بالتواتر بأن صديقي في بداية سفري منذ 8 سنوات اتهمني بالنصب، والله شاهد بأنني كنت مغلوبا على أمري في وقف تجارتي وأعمالي والسفر.
والسؤال الثاني: ما حكمي لو توفاني الله قبل قدرتي على السداد، علماً أنه يشهد الله علي أن في نيتي السداد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دام السائل لم يخسر هذا المبلغ في التجارة، ويعلم أنه دين في ذمته واجب السداد -كما ذكر في سؤاله- فالأصل أن يُقضى الدين بمثل ما ثبت به وقت تحمل الدين، لا وقت أدائه، ولا يرتبط ذلك بمستوى الأسعار، أو بمعدل التضخم، أو بسعر الذهب والفضة، ونحو هذه الأمور، ما دامت عملة الدين باقية، اللهم إلا إذا حصل غبن فاحش، يرجع بالظلم البيِّن على صاحب الحق، فقد اختلف أهل العلم في الواجب عندئذ، هل هو المثل أو القيمة؟ وراجع في تفصيل ذلك الفتوى: 348040.

ومن مات وعليه دين كان ينوي قضاءه، ولم يترك مالا يفي بقضائه، فإنه إن لم يفرط في قضاء الدين في حياته، يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها؛ أدى الله عنه. ومن أخذها يريد إتلافها؛ أتلفه الله. رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ولابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث ميمونة: "ما من مسلم يدان دينا يعلم الله أنه يريد أداءه، إلا أداه الله عنه في الدنيا" وظاهره يحيل المسألة المشهورة فيمن مات قبل الوفاء بغير تقصير منه، كأن يعسر مثلا أو يفجأه الموت وله مال مخبوء، وكانت نيته وفاء دينه، ولم يوف عنه في الدنيا. ويمكن حمل حديث ميمونة على الغالب. والظاهر أنه لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة، بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين، بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين، كما دل عليه حديث الباب، وإن خالف في ذلك ابن عبد السلام. اهـ.

وقال المظهري في شرح المصابيح: إن لم يتيسر له ما يؤدي ذلك الدين حتى يموت، المرجو من الله الكريم أن يرضي خصمه بفضله. اهـ.

وتبعه على ذلك جماعة من شراح المشكاة.

وراجع في ذلك الفتويين: 7576، 4062.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني