الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعاء الله تعالى وتعظيمه بالشِّعر في الصلاة

السؤال

هل يجوز الدعاء، وتعظيم الله تعالى بالشعر في الصلاة، مثل:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أو:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعدُّ لكل ما يتوقع.؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأولى للمصلّي أن يدعو في صلاته بما جاء في القرآن، والسنة، وبما كان على منوالهما من منثور الكلام الخالي من التكلف، والاعتداء في الدعاء.

وأما الدعاء فيها بمنظوم الكلام، فهذا خلاف الأصل، بل قد يفهم من كلام بعض الفقهاء بطلان الصلاة به، جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكي: وهو ظاهر كلام الطراز فِي بَابِ الْقُنُوتِ، وَنَصُّهُ فِي الِاحْتِجَاجِ لِأَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَدْعُو إلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَمَّتَ الْعَاطِسَ، أَوْ رَدَّ السَّلَامَ، تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَهُوَ دُعَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا خَاطَبَ آدَمِيًّا، صَارَ مِنْ الْكَلَامِ الْمُشْتَبِهِ بِكَلَامِ النَّاسِ، وَكَمَا لَوْ أَنْشَدَ شِعْرًا لَيْسَ فِيهِ إلَّا الثَّنَاءُ، وَالدُّعَاءُ. اهــ.

وجاء في كتاب الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني، تلميذ أبي حنيفة في معرض كلامه على اعتبار التسبيح والتحميد كلامًا مبطلًا للصلاة، إذا كان جوابًا لمن بَشَّرَهُ بخير وهو في الصلاة، قال: أَوَلَيْسَ قد يكون الشّعْر تسبيحًا وتحميدًا، فَلَو أَن شَاعِرًا أنْشد شعرًا فِي صلَاته، أمَا يكون كلَامًا وَيقطع صلَاته؟

قلت: بلَى، قَالَ: فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء. وَهَذَا قَول أبي حنيفَة، وَمُحَمّد. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: أما أَنا، فَلَا أرى التَّسْبِيح والتحميد والتهليل كلَامًا، وَلَا يقطع الصَّلَاة، وَإِن أَرَادَ بذلك الْجَواب. اهــ.

وموضع الشاهد اعتبار الشعر كلامًا مبطلًا للصلاة، ولو كان تسبيحًا وتحميدًا.

لكن ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما يدل على جواز ذلك عنده، فقد قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ــ وقد ذكر أبيات المتنبي التي فيها:

يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ * وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ

لَا يَجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاسَرُهُ * وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِرُهُ

ـ قال ابن كثير: وَأَخْبَرَنِي الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ الله- أنه سمع الشيخ تقي الدين المذكور يَقُولُ: رُبَّمَا قُلْتُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي السُّجُودِ، أدعو لله بما تضمناه من الذلّ، والخضوع. اهـ.

فدعاؤه بهما في الصلاة، يدل على أن مذهبه عدم بطلان الصلاة بذلك.

ولا شك أن الأحوط، والأبرأ للذمة، والأقرب للسنة البعد عن ذلك، والدعاء بأدعية القرآن، والسنة، وما في معناهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني