الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تزويج إمام المسجد للمرأة بسبب ردّ الولي للرجل بدعوى الفوارق الاجتماعية

السؤال

أنا أعيش في بلاد الغرب، وتقدمت لخطبة امرأة مطلقة، فرفض أبوها بدعوى أني لست من نفس طبقتها الاجتماعية، والدراسية، وحاولت إقناعه، لكنه رافض البتة، والمرأة راضية بي، وقد تقدم لها كفؤ قبلي وبعدي، فرفضت، وهي تريدني؛ لذلك بحثت قليلًا، فوجدت أن من يعضل المرأة عن الزواج من كفؤ في الخُلُق، والدِّين -والله أعلم إن كنت كذلك-، فإنه يحق أن يتقدما للقاضي، فيزوجهما، وبما أن أوروبا ليس بها قاض، فقد تقدمنا إلى المسجد، وتكلمتُ مع الإمام، وحكيتُ له ما وقع، فقام مقام القاضي، وزوّجني، لكنه لم يتصل بولي أمرها؛ مخافة أن يُعتدى عليه من طرف عائلة الزوجة، والمرأة مطلقة، ولها ابنة، وهي تعيش وحدها في بلاد أخرى منذ سنين، والتقيت بها بالمدينة التي يقطن فيها أهلها، فهي تأتي لزيارتهم، وترجع لبلدها الأول لترعى ابنتها، فما حكم زواجي منها، إن لم يتصل الإمام بوليّ أمرها للاستفسار منه، واعتمد على كلامي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد سبق وأن بينا أنه لا ينبغي للولي أن يرفض من تقدم لخطبة موليته من الأكفاء لغير مسوغ شرعي، فراجع الفتوى: 998، والفوارق الاجتماعية والدراسية لا تسوغ له رد الأكفاء.

ولا يجوز للرجل الزواج من امرأة، إلا بإذن وليها، على ما نرجحه من أقوال الفقهاء، ولا فرق في هذا بين البكر والثيب، وراجع الفتوى: 32593، والفتوى: 1766.

ومجرد كون هذا الرجل إمام المسجد في ذلك البلد، لا يخوّل له تولي أمر تزويجها.

وعلى فرض كونه يقوم مقام القاضي، فليس له أن يزوّجها لمجرد دعواك أن وليّها عاضل لها؛ حتى يدعوه لتزويجها، ويمتنع لغير سبب مقبول، جاء في حاشية الدسوقي: وحاصل الفقه: أنه إذا امتنع الولي غير المجبر من تزويجها بالكفء الذي رضيت به في المسألتين؛ فإن الحاكم يسأله عن وجه امتناعه، فإن أبدى وجهًا، ورآه صوابًا، ردّها إليه، وإن لم يُبدِ وجهًا صحيحًا، أمر بتزويجها. فإن امتنع من تزويجها بعد الأمر، زوّجها... اهـ.

وبناء على ذلك؛ فإن هذا الزواج لا يصحّ، ويجب تجديده على الوجه الصحيح، إن رغبتما في استمرار الزوجية، وهذا ما لم تكن قد دخلت بها، فيمضي الزواج في هذه الحالة، قال الشاطبي في الموافقات: فَالنِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، قَدْ يُرَاعَى فِيهِ الْخِلَافُ، فَلَا تَقَعُ فِيهِ الْفُرْقَةُ إِذَا عُثِرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ مُرَاعَاةً لِمَا يَقْتَرِنُ بِالدُّخُولِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي ترجح جَانِبَ التَّصْحِيحِ، وَهَذَا كُلُّهُ نَظَرٌ إِلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ بِالنَّقْضِ وَالْإِبْطَالِ مِنْ إِفْضَائِهِ إِلَى مَفْسَدَةٍ تُوَازِي مَفْسَدَةَ مُقْتَضَى النَّهْيِ أَوْ تَزِيدُ. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني