الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دفع رشوة لمن يسجن الظالم المعتدي

السؤال

شخص آذاني، وطعن في شرفي، وشرف أخواتي، ووالدتي المتوفاة، وضرب والدي قبل وفاته، واغتصب حقّي، وحقّ إخوتي في ميراثنا، وأخذ منزل عائلتنا عنوة، ويعيش فيه الآن هو وعائلته (بلطجي)، ويعلم الله كم الإرهاب الذي مارسه علينا؛ لأننا بنات ضعاف، ما بيدنا حيلة، وجاءتنا الفرصة الآن لننتقم منه، ونسجنه؛ بسبب انتمائه السياسي؛ لأن القضايا الخاصة بالورث ليس بها حبس وسجن، ولكن الشخص الذي سيساعدنا يريد مالًا مقابل إرسال قوة لحبسه، فهل علينا وزر وذنب؟ وهل سيطردنا الله من رحمته؛ لأننا سنؤذيه؟ فأنا لا أريد أن أغضب الله، ولكن الله وحده يعلم كم آذانا هذا الرجل وعائلته كلها، حتى زوجته، وأنا وإخوتي مقهورون، ولا نعرف كيف نسترد حقّنا بغير ذلك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن وقع عليه الأذى، والإهانة، والظلم من الناس، يشرع له ثلاثة أمور:

الأول: أن يعفو ويصفح؛ لينال أجر المتقين الصابرين، ومعية الله، وعونه، وهذا هو الأفضل في حقّه، كما قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين {آل عمران:133ـ134}، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله{الشورى:40}، وقال: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}.

والخيار الثاني: الإمساك عن العفو والصفح؛ ليلقى المذنب ربّه بما اقترف من الإثم، لكن كما قال بعض السلف: ما يفيدك أن يعذّب الله أحدًا لأجلك؟ مع ما يفوتك من أجر العفو، لو عفوت.

أما الخيار الثالث: فهو المقاصّة، ومقابلة السيئة بمثلها، دون تجاوز؛ لقوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40}، وقوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ *إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:41ـ 43}.

وعلى هذا؛ فلو اخترتم الثالث، فلكم ردّ أذيته بمثلها إن قدرتم.

وأما دفع رشوة لمن يسجنه ظلمًا، فهذا ليس من جنس ما ظلمكم به، ولا يرفع عنكم الظلم، ولا يردّ إليكم حقكم.

فاتقوا الله، واصبروا، واعلموا أن حقّكم لم يضع.

وعدم تمكنكم من أخذه في الدنيا، لا يفوته عليكم في الآخرة، وقد تكونون أحوج إليه.

ولكم الدعاء على الظالم أن ينتقم الله منه لكم، وأن يكيفكم شرّه بما شاء.

وعفوكم وصبركم أفضل لكم، كما بينا سابقًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني