الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أسباب الخلاف في وجوب ستر وجه المرأة

السؤال

كيف حدث خلاف بين الفقهاء حول زي المرأة؟ وهل هو حجاب أم نقاب؟ إذ كيف كان الوضع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا لم يتم توضيح الصورة للناس؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالخلاف بين العلماء في وجوب ستر المرأة لوجهها يرجع إلى عدة أسباب، لعل من أهمها: تعارض الأحاديث في هذا الباب، فقد وردت أحاديث تدل على جواز كشف الوجه، ووردت أحاديث أخرى تدل على المنع، فاختلف العلماء لأجل ذلك، والتحقيق أن الأحاديث التي دلت على الجواز محمولة على ما قبل نزول آية الحجاب، وذلك لأن المرأة قبل نزول آية الحجاب كانت تخرج سافرة، يرى الرجال وجهها، وكان إذ ذاك يجوز للنساء أن يكشفن وجوههن، ثم لما أنزل الله آية الحجاب بقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب: 59]. منعت المرأة من إظهار وجهها، وقد روى أبو داود في كتاب المسائل عن ابن عباس في تفسير الإدناء المذكور في الآية "يدنين عليهن من جلابيبهن": تعطفه وتضرب به على وجهها، وإسناده صحيح، كما نص على ذلك كثير من المحققين، وأما ما روي عن ابن عباس بأنه فسر قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور: 31]. بالكحل والخاتم، وفي رواية ما في الوجهين والكفين، فضعيف جدا، ولمعرفة تفصيل ذلك، راجع كتاب "عودة الحجاب" للشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم وقد روى ابن جرير عن عبيدة السلماني عن قوله تعالى: "يدنين عليهن من جلابيبهن" فقال بثوبه فغطى وجه ورأسه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه، ولقد علق صاحب كتاب "عودة الحجاب" على هذا الأثر بقوله: رجال هذا الإسناد جبال في الثقة والضبط. ثم قال: وإذا تقرر لديك أن عبيدة السلماني من كبار التابعين، وأنه نزل المدينة في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يزل بها حتى مات، لعلمت حينئذ أنه يفسر ما كان سائدا في المجتمع الذي كان يمثله أجلة الصحابة وأكابر الأمة الذين عليهم مدار الدين. وأيضا من الأسباب التي أدت إلى اختلاف العلماء في وجوب ستر وجه المرأة: بعض الأحاديث التي استنبط منها بعض أهل العلم جواز كشف المرأة لوجهها، بينما هي لا تدل على ذلك، كحديث الفضل بن عباس، أو حديث جابر في المرأة سفعاء الخدين، ونحو ذلك من الأحاديث التي استدل بها القائلون بجواز كشف الوجه، وهي في الحقيقة بعيدة عما استدلوا عليه، وننصح في هذا الصدد بالرجوع إلى ما كتبه العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي حول هذا الموضوع في تفسيره "أضواء البيان". واعلم أن اختلاف العلماء في وجوب ستر وجه المرأة لا يعني أن هذا الحكم لم يكن واضحا أو معمولا به في عصر النبوة، بل كان واضحا ومعمولا به، كما يدل عليه ما تقدم عن ابن عباس وعبيدة السلماني وما سقناه آنفا من تعليق صاحب كتاب "عودة الحجاب"، ولقد ظل ستر وجه المرأة هو الأصل المعمول به في جميع بلاد العالم الإسلامي إلى أن دخل الاستعمار بلاد المسلمين وعملوا على تغريب المرأة ونزع الحجاب عنها، فاستجاب من استجاب لهم من أبناء الأمة، والله المستعان. وراجع للأهمية الفتوى رقم:5224. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني