الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موضع سجود السهو، وحكم السجود لترك تسبيح السجود عند المالكية

السؤال

هل الأمر واسع في سجود السهو عند المذاهب؟ فلو أن أحدًا سجد سجودًا قبليًّا في موضع سجود بعدي، أو العكس، فهل تبطل صلاته؟ أم إن المذاهب أقرّوا بجواز أن يكون السجود قبليًّا أو بعديًّا دون فرق، وما قرّروه للأفضلية؟ وهل يجوز لي عندما أسهو أن أسجد قبل السلام أو بعده، ولا تبطل صلاتي عند أحد من أهل المذاهب؟ وعلمت أن السجود قبل السلام لترك التسبيح في السجود، يبطل الصلاة عند المالكية، ولا يبطلها لو كان بعد السلام، فهل هذا صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الفقهاء -رحمهم الله- قد اختلفوا في محل سجود السهو: هل هو قبل السلام؟ وهو مذهب الشافعي، أو بعده؟ وهو مذهب أبي حنفية.

ومنهم من قال: إن ما كان سببه نقص، فمحله قبل السلام، وما كان عن زيادة، فمحله بعد السلام. وهذا مذهب مالك -رحمه الله تعالى-.

ومذهب الإمام أحمد: أنه قبل السلام، إلا ما ورد فيه النص أنه بعد السلام، وللمزيد من الفائدة، طالع الفتوى: 17887.

ومن سجد للسهو قبل السلام, أو بعده، فصلاته صحيحة, ولا إعادة عليه، وإليك بعض كلام أهل العلم في هذه المسألة:

قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل المالكي: وصحّ سجود السهو إن قُدّم بعدِيُّه، ولو عمدًا؛ رعيًا لمذهب الشافعي, ولا يجوز ابتداء، أو أخِّر قَبلِيّه؛ رعيًا لمذهب أبي حنيفة، ويكره ابتداء. اهـ. وفي تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي الحنفي: وهذا دليل أن الخلاف في الأولوية، وفي الخلاصة: لو سجد قبل السلام، لا يجب إعادتهما بعد السلام. اهـ.

وقال النووي الشافعي في روضة الطالبين: وفي محله ثلاثة أقوال: أظهرها: قبل السلام. والثاني: إن سها بزيادة، سجد بعد السلام، وإن سها بنقص، سجد قبله. والثالث: أنه يتخير، إن شاء قبله، وإن شاء بعده. اهـ.

وفي الإنصاف للمردواي الحنبلي: محل الخلاف في سجود السهو: هل هو قبل السلام، أو بعده، أو قبله، إلا في صورتين، أو ما كان من زيادة، أو نقص، على سبيل الاستحباب والأفضلية، فيجوز السجود بعد السلام، إذا كان محله قبل السلام، وعكسه، وهذا هو الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وذكره القاضي، وأبو الخطاب، وغيره، وجزم به المجد، وغيره، وقدّمه في الفروع، وغيره، قال القاضي: لا خلاف في جواز الأمرين، وإنما الكلام في الأولى والأفضل، وذكره بعض المالكية، والشافعية إجماعًا. اهـ.

وبناء عليه؛ فإن صلاتك لا تبطل إذا سجدت للسهو قبل السلام, أو بعده.

وبخصوص الجزء الثاني من السؤال، فإن التسبيح في السجود عند المالكية من فضائل الصلاة، قال ميارة المالكي في الدرّ الثمين: لما فرغ من ذكر السنن، أعقبها بالمندوبات، وهي الفضائل: أولها: التيامن بالسلام... إلى أن قال: السادس: التسبيح في الركوع، والسجود، يريد من غير تحديد. اهـ

ومن سجد لترك هذا التسبيح قبل السلام عمدًا, أو جهلًا، بطلت صلاته، ففي منح الجليل للشيخ محمد عليش المالكي متحدثًا عن مبطلات الصلاة: (و) بطلت (بسجوده) أي: المصلي قبل سلامه (لـ) ترك (فضيلة)، ولو كثرت. اهـ.

وقال الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير: (قوله: وبسجوده قبل السلام لفضيلة) أي: عمدًا, أو جهلًا، لا إن سجد سهوًا، فلا بطلان، ويسجد بعد السلام. اهـ.

ومن أهل العلم من قال بسجود السهو قبل السلام لترك التسبيح في السجود، كما تقدم في الفتوى: 157475.

ويجوز لك تقليد هذا القول، فإن المسلم العامي يجوز له أن يقلّد من يوثَق بعلمه، ودِينه من أهل العلم، ولا يجب عليه تقليد مذهب بعينه، وراجع المزيد في الفتوى: 186941.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني