الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج الإلحاد وأسباب عدم التوفيق للهداية

السؤال

كيف لي أن أشعر بالطمأنينة، ومن أحب الناس، والأقرب لي من أهلي ملحد، أو مشكك بشكل كبير في صحة الإسلام؟
مع العلم أنه لو كان السبب الذي قاد هذا الشخص للإلحاد هو أنه يريد اللهو واللعب في الدنيا، لما كان تأثيره عليَّ كبير، لكن المشكلة أنه يقاسي الكثير من الألم بسبب ضعف الإيمان، حاولت مرارا إقناعه لكنه يقول لي: "أتمنى لو كنت أستطيع الإيمان، أنا دائما في حالة شك، وأشعر بالضياع، ولا أريد نقاشك حتى لا تصلي للشك الذي وصلت إليه؛ لأنني سعيد أنك مؤمنة ومرتاحة".
وكأنه يشير إلى أنني ألعب على نفسي بالإيمان حتى أشعر بمعنى للحياة والطمأنينة، وفي نفس الوقت يقول إنه فعل الكثير من الكبائر، ويخاف من عذاب الله إذا شعر أن الله فعلا موجود، وأن الإسلام دين صحيح، ودائما ما يردد "الله يكرهني، أنا أشعر بذلك، أريد الانتحار، وأخاف أن أعذب دائما في النار".
سؤالي هو: كيف لي أن أصبر، وأحتسب على هذا الشقاء في الدنيا؟ كانت الصلاة والقرآن يجلبان الطمأنينة لقلبي، لكن لم يعودا كذلك كثيرا، وأصبحت أصلي بدون خشوع، وأخاف كثيرا أن أخسر ملجئي الوحيد (الله).
دائما أدعو الله لي وله، لكن دائما أفكر، ماذا لو أراد الله أن ينتحر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يكاد العجب أن ينقضي من ملحد يردد دائما: (الله يكرهني أنا أشعر بذلك، أريد الانتحار، وأخاف أن أعذب دائما في النار)! فإن من يخاف عذاب الله، ويشعر ببغض الله له، ليس علاجه أن يكفر بالله، فيزداد منه بعدا، ويخلد في العذاب. وإنما علاجه أن يبحث عن الحق الذي يثبت إيمانه بالله أولا، ويزيل عنه شبه الكفر، وأدران الإلحاد، ثم يعلم أن الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها. فإذا أسلم، وحسن إسلامه، وتاب إلى الله، فقد ابتدأ حياته كأنما ولد من جديد، وإن مات على هذه الحال صدق عليه قول الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان: 68 - 71].

فههنا ذكر أعظم الكبائر والموبقات، من الكفر، والشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، واقتراف فاحشة الزنا، وتوعدهم بمضاعفة العذاب والخلود فيه، ثم استثنى التائب، ووعده بتبديل سيئاته حسنات. فهذا هو السبيل الصحيح لتصحيح المسار، والنجاة من عذاب الله، والفوز برضوانه، يتلخص في: الإيمان بالله، والتوبة النصوح، والعمل الصالح.

فالحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، القائل سبحانه: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 110].

وأما بالنسبة للسائلة، فلتحمد الله أولا على إسلامها، ولتقدر هذه النعمة قدرها، ثم لتعلم أن الله تعالى حكم عدل، لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء:40]، لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]. فإن خذل أحدا ولم يهده، فبما كسب وجنته يداه. ولا يهلك على الله إلا هالك؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه مسلم).

وإذا شق عليها حال قريبها، فلتتذكر حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع عمه أبي طالب، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصا على هدايته، ودعوته للإيمان، وتوحيد الله تعالى، حتى آخر رمق في حياته، إلا إنه اختار الشرك على التوحيد، والكفر على الإيمان، ومات على ملة أبيه عبد المطلب. وفيه نزل قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص: 56].

قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى أنك يا محمد -وغيرك من باب أولى- لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا أمر غير مقدور للخلق: هداية للتوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد الله سبحانه تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله. اهـ.

ومع ذلك فلتجتهد الأخت السائلة في تعلم الحق وبيانه لقريبها هذا، ودعوته إليه، وترغيبه فيه، ولتستعن بالله تعالى، ولتكثر من الدعاء له بالهداية، وشرح الصدر للحق. وقد سبق لنا بيان بعض المراجع المتخصصة في مناقشة مسائل الإلحاد وأسبابه وشبهاته، فراجعي الفتويين: 365854، 304762.

فإن عجزت عن ذلك لقلة علمها، فيمكنها أن تنصحه بأن يتواصل مع أحد المتخصصين في قضايا الإلحاد، ممن لديهم العلم والخبرة الكافية في هذا الباب، وهذا الأمر متوفر الآن عن طريق المواقع والصفحات المتخصصة على الإنترنت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني