الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كفلت والدها بقرض ربوي وتدعو بالزوج الله ولا تجد الإجابة

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر 25 عاما. طلب مني أبي أن أضمنه ليأخذ قرضا ربويا من البنك؛ لصعوبة المعيشة، وأنا لم أعِ في وقتها حرمة الربا. كنت أعلم، لكن لم أفكر، ولم أكن على قدر من الالتزام، بالإضافة إلى أني لم أستطع وقتها أن أرفض.
الآن عرفت حجم ذنبي، وتبت إلى الله، وعزمت أنه لو طلب مني مرة أخرى سأرفض. هل سيقبل الله توبتي؛ رغم استمرار سداد القرض؟ وأنا دائما ما أدعو بالزوج الصالح، ولا يستجيب الله. وأعلم أنه بسبب ذنبي هذا. ولكن هل توبتي ستجعل الله يستجيب دعائي؟
سؤال آخر: أبي -سامحه الله- دائما ما يتعامل بالربا منذ ونحن أطفال؛ ولذلك حياتنا ما فيها بركة، تأخر زواجي أنا وأخواتي، ومشاكل دائمة، وقلة رزق، ورسوب في الدراسة. إذا كنت أنا تبت، وإخوتي لا يتعاملون بالربا. فما ذنبنا أن نعاقب بذنب أبي؟
وهل ماله حرام لو فتح مشروعا بهذا القرض؟ وهل ممكن يستجيب دعائي، ويرزقني الزوج الصالح رغم كل هذا؟ ورغم استمرار أبي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دمت تائبة إلى الله تعالى؛ فأبشري بقبول التوبة، وعفو الله عنك، ولا تخشي من عقوبة الذنب الذي تبت منه، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فلا يعاقب على ذنبه في الدنيا، ولا في الآخرة.

قال ابن تيمية –رحمه الله-: ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا، ولا في الآخرة، لا شرعا، ولا قدرًا. انتهى.

والأصل المتقرر في الشرع أن أحدا لا يحمل ذنب أحد، ولا يؤخذ بجريرة غيره. قال تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر: 18]
وفي سنن الترمذي عن عمرو بن الأحوص –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : .....أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلاَ وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ.....
وإذا كان والدك يقترض بالربا؛ فهومرتكب لكبيرة من كبائر المحرمات، وعليكم نهيه عن ذلك برفق وأدب، لكن إذا استعمل القرض في تجارة، أو اشترى به شيئا؛ فلا يكون محرما، فالراجح عندنا أنّ التحريم يتعلق بذمة المقترض، لا بعين المال. وراجع الفتوى: 110364.

واعلمي أنّ تاخر زواجك، وغيره من الأمور التي تصيبكم ليس بالضرورة أن يكون عقوبة من الله، فالبلاء قد يكون رحمة من الله، ودليل محبة الله للعبد. فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي.
لكن الواجب على العبد على كل حال أن يراجع نفسه، ويجدد التوبة إلى الله تعالى.

واعلمي أن العبد إذا دعا بشيء ولم يتحقّق؛ لم يكن ذلك دليلا على عدم استجابة دعائه، فاستجابة الدعاء ليست محصورة في تحقق المطلوب، ففي مسند أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ.

كما أن الاستعجال قد يكون من موانع إجابة الدعاء، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.

فداومي على الدعاء، ولا تستعجلي، وأبشري خيرا، وأحسني ظنك بربك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني