الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خلق الشر وتقديره والحكمة منه

السؤال

حدث بيني وبين زوجي خلاف، وكان الموضوع حول ظاهرة فيروس كورونا المنتشرة مؤخرًا، فقلت بأنه قدر من عند الله تعالى كتبه علينا جميعًا، فعلى المؤمن أن يؤمن بالقدر خيره وشره، فعارضني قائلًا: هذا من فعل الإنسان، وهو من كونه، ومن ساهم في نشره، وأنا قلت: لولا مشيئة الله تعالى لما حدث هذا الأمر، فلم يقتنع بقولي؛ محتجًّا بأن الله تعالى لا يتعمّد الشر على عباده، رغم أني أوضحت له أنه عسى أن يكون وراء كل شر خير؛ فلم يقتنع بتاتًا، فهل لي أن أعرف من منا على حق؟ وإن كنت أنا، فكيف لي أن أقنعه؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فها هنا أمور لا بدّ من بيانها:

فمنها: أن زوجك إن كان يعتقد أن الله لم يخلق هذا الوباء، ولم يقدّره؛ فهو مخطئ بلا شك، وخطؤه عظيم جدًّا؛ فإن الله هو خالق كل شيء، وما من متحرك ولا ساكن إلا وهو بعلم الله، وخلقه، وتدبيره.

ومنها: أن كون هذا الوباء بخلق الله وتقديره، لا ينافي أن يكون ذلك بأسباب قدّرها الله عز وجل وقضاها، والسبب والمسبب كله بخلق الله وتقديره، فهو خالق السبب وخالق المسبب.

ومنها: أن الله لم يقدر ذلك إلا لما له فيه من الحكم البالغة، فهو سبحانه الحكيم العليم، لا يخلق شيئًا عبثًا، ولا يقدر شيئًا سدى، بل هو سبحانه يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، فلا ريب أن لله حكمًا بالغة، قد يظهر لنا بعضها، وقد يخفى عنا كثير منها في تقدير ما يقدره سبحانه من الأوبئة، وغيرها.

ومنها: أن هذا الوباء وإن كان شرًّا في نفسه، لكنه كغيره من الشرور التي يقدّرها الله ويقضيها، تتمخض عنه مصالح عظيمة، وأسرار جليلة، مآلها الخير، والرحمة، والمصلحة، قال ابن القيم: وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَحَق بذلك، وَأولى من كل أحد؛ فَإِن الْخَيْر كُله بيدَيْهِ، وكل الْخَيْر مِنْهُ. صِفَاته كلهَا صِفَات كَمَال، وأفعاله كلهَا حِكْمَة، وَرَحْمَة، ومصلحة، وخيرات لَا شرور فِيهَا، كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك. وَإِنَّمَا يَقع الشَّرّ فِي مفعولاته، ومخلوقاته، لَا فِي فعله سُبْحَانه. انتهى.

وقال أيضا: الثالث عشر: وهو قول أعلم خلقه به، وأعرفهم بأسمائه وصفاته: "والشر ليس إليك"، ولم يقف على المعنى المقصود من قال: الشر لا يتقرب به إليك، بل الشر لا يضاف إليه سبحانه بوجه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في أسمائه؛ فان ذاته لها الكمال المطلق من جميع الوجوه. وصفاته كلها صفات كمال، ويحمد عليها، ويثنى عليه بها. وأفعاله كلها خير، ورحمة، وعدل، وحكمة، لا شر فيها بوجه ما. وأسماؤه كلها حسنى، فكيف يضاف الشر إليه، بل الشر في مفعولاته، ومخلوقاته، وهو منفصل عنه؛ إذ فعله غير مفعوله، ففعله خير كله، وأما المخلوق المفعول، ففيه الخير والشر. وإذا كان الشر مخلوقًا منفصلًا غير قائم بالرب سبحانه، فهو لا يضاف إليه، وهو لم يقل: أنت لا تخلق الشر؛ حتى يطلب تأويل قوله، وإنما نفى إضافته إليه وصفًا، وفعلًا، واسمًا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني