الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل في السندات في البنوك الربوية مع محاولة تغيير سياسة البنك

السؤال

ما حكم العمل في البنك الربوي، لحين وجود عمل آخر؟ فأنا متزوج ولي ثلاثة أطفال، وموظف في بنك ربوي له فروع في بعض دول العالم، ومملوك للدولة، وهو يعد بطريقة غير مباشرة ملكًا لمواطني الدولة، وأنا أعمل في إدارة تتاجر بالسندات المالية، وهذ السندات مثلها مثل القروض، إلا أنها تختلف من حيث إنه يتم تداولها في الأسواق، مثلاً يستثمر شخص في سند بقيمة تسعمائة وخمسة وتسعين ألف دولار، وقد يتحسن السعر، فيتم بيعه في السوق المالي عبر محطات المتاجرة عبر الكمبيوتر بسعر أعلى، بقيمة مليون دولار مثلاً، أي أعلى من سعر الشراء؛ وبالتالي فهو يجني أرباحاً بقيمة خمسة آلاف دولار، بالإضافة إلى الفوائد التي يدفعها هذا السند، سواء كانت ثابتة أم متغيرة، بالإضافة إلى المتاجرة بالأسهم ومشتقاتها.
وقررت أن أترك البنك في أول فرصة متاحة، ولكني في حيرة من أمري، وقد كثرت عندي الخيارات، علماً أن وضعي المادي مستور -والحمد لله-، وأستطيع أن أنفق على العائلة من المدخرات لفترة وجيزة وقصيرة؛ وذلك لأني لا أملك بيتًا للعائلة، وأريد أن آخذ جزءًا من المدخرات لبناء بيت في قطعة الأرض التي أملكها، وأتردد في التفكير في الاستقالة للأسباب التالية:
1. إدارة المتاجرة بالسندات المالية في الوقت الحالي تمر بظروف صعبة واستثنائية للغاية؛ وذلك لأن من ضمن السندات التي تملكها الإدارة هناك سندات تعاني من مشاكل مع الشركات المستثمرة في هذه السندات، وبعض هذه الشركات أصبح غير قادر على سداد أصل المبلغ المستثمر، وقام البنك بتكليف شركات قانونية لمتابعة هذه الشركات؛ لاسترداد الأموال المستثمرة، وهذا السبب يجعلني أفكر في تأجيل استقالتي إلى حين تسوية هذه المشاكل العالقة، واسترجاع بعض من هذه الأموال المستثمرة؛ لأنها أموال الدولة، وهي بالتالي أموال المواطنين.
2. أفكر في تأجيل استقالتي إلى حين إيجاد عمل آخر، بديلًا عن البنك الربوي.
3. لديّ الرغبة القوية -والحمد لله- للسعي لإحداث تغييرات في البنك للتعامل بالأدوات الاستثمارية الإسلامية، إذا سمحت لي الإدارة العليا للبنك؛ لأنها تحتاج موافقات من إدارة البنك، وموافقة المصرف المركزي، فليس الأمر بالسهل.
وأنا وبعض الزملاء الخيرين نفكّر في أن من الأفضل عدم ترك البنك الربوي، بل يجب العمل من داخل البنك من أجل السعي لتغييره إلى بنك إسلامي، علماً أنه لا توجد أي مقترحات، أو قرارات للاتجاه للتعامل بالمعاملات الإسلامية، فأنا في حيرة من أمري.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعمل في البنوك الربوية محرم، ولا سيما في مجال السندات، ونحوها.

وقد أفتى جمع من أهل العلم بتحريم العمل في البنوك الربوية، ولو في أقسام لا تباشر المعاملات الربوية، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ليس في أقسام البنك الربوي شيء مستثنى -فيما يظهر لنا من الشرع المطهر-؛ لأن التعاون على الإثم والعدوان حاصل من جميع موظفي البنك. اهـ.

وفيها أيضاً: لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم في البنك غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه، ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. اهـ.

وما ذكرته من انتظار حل مشكل السندات، أو محاولة تغيير سياسة البنك للاستثمار فيما هو مشروع، لا يبيح لك البقاء.

لكن إذا كنت لا تجد نفقة نفسك ونفقة من تعول، فيجوز لك البقاء في هذا العمل للضرورة؛ حتى تجد سبيلاً آخر، والضرورة تقدر بقدرها.

وأما لو كان لديك ما تنفقه على نفسك وعيالك، ويكفيك حتى تجد عملاً آخر؛ فيلزمك ترك العمل المحرم فوراً.

وانظر حد الضرورة المبيحة لمثل هذا العمل في الفتوى: 145987.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني