الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من حلف أن لا يدخن فهل يحنث باستنشاق الدخان؟

السؤال

حلفت يمين طلاق أن لا أدخن، ولكن من حولي يدخنون، فأحاول منع نفسي من دخول النفس، مع العلم أن النية عند اليمين أن لا أشرب فقط، وطول المدة أمنع نفسي، وفي بعض المرات كان النفس يدخل بالدخان، فهل وقع اليمين أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دمت نويت باليمين أن لا تشرب الدخان مباشرة، فلا تحنث إذا وصل إلى جوفك بسبب جلوسك بجوار بعض المدخنين.

والواجب عليك -أخي الكريم- أن تترك الدخان، ولو بغير يمين، كما أن الواجب عليك أن لا تجلس مع المدخنين لأمرين:

أولهما: أن عدم مجالستك لهم أدعى إلى عدم العودة إلى معصية التدخين.

وثانيهما: أن الشرع دل على عدم الجلوس مع العاصين عند مباشرتهم للمعصية، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء:140}، قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-: وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ وَالْفَسَقَةِ عِنْدَ خَوْضِهِمْ فِي بَاطِلِهِمْ. وبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَّةِ الْمَاضِيَةِ يَقُولُونَ تَأَوُّلًا مِنْهُمْ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّهُ مُرَادٌ بِهَا النَّهْي عَنْ مُشَاهَدَةِ كُلِّ بَاطِلٍ عِنْدَ خَوْضِ أَهْلِهِ فِيهِ. اهــ.

ومثله قول القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسير هذه الآية: فَدَلَّ بِهَذَا عَلَى وُجُوبِ اجْتِنَابِ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مُنْكَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجْتَنِبْهُمْ فَقَدْ رَضِيَ فِعْلَهُمْ، وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ)، فَكُلُّ مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ مَعْصِيَةٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، يَكُونُ مَعَهُمْ فِي الْوِزْرِ سَوَاءً.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ إِذَا تَكَلَّمُوا بِالْمَعْصِيَةِ وَعَمِلُوا بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ عَنْهُمْ؛ حَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ أَخَذَ قَوْمًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَقِيلَ لَهُ عَنْ أَحَدِ الْحَاضِرِينَ: إِنَّهُ صَائِمٌ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ الْأَدَبَ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ)، أَيْ: إِنَّ الرِّضَا بِالْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ؛ وَلِهَذَا يُؤَاخَذُ الْفَاعِلُ وَالرَّاضِي بِعُقُوبَةِ الْمَعَاصِي؛ حَتَّى يَهْلَكُوا بِأَجْمَعِهِمْ. اهــ.

فإن جلست في مجلس فيه أحدٌ يدخن، فانهه عن التدخين ــ برفقٍ ــ؛ قيامًا بواجب النهي عن المنكر، فإن أصرّ، ففارق المجلس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني