الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دلالة قوله تعالى: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك

السؤال

يقول تعالى في قصة ابني آدم: "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين"
هل هذا يعني أنه لا يجوز للمؤمن الدفاع عن نفسه، إذا أراد أحد قتله أو ظلمه، أو الإساءة إليه؟
أفيدوني في هذا، وفقكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فغاية ما في الآية الكريمة هو رفع الحرج عمن أريدَ قتله، فاستسلم لقاتله لئلا يكون هو القاتل، فيسلم من الإثم ويبوء به صاحبه. ولكن ليس في الآية وجوب ذلك، كما أنها ليست نصا فيه.

فيحتمل أن المراد: لئن بسطت إِليَّ يدك -على سبيل الظلم والابتداء- لتقتلني، ما أَنا بباسط يدي إليك، على وجه الظلم والابتداء. فلا يكون فيها نفي الدفع، وإنما نفي الابتداء بالعدوان.

وحتى على التسليم بالاحتمال الأول فقد قيل: إن هذا كان شرع آدم عليه السلام.

قال السمعاني في تفسيره: قال الحسن ومجاهد: كان من شرع آدم أن من قصد بالقتل؛ فواجب عليه الكف عن الدفع، والصبر على الأذى، وكذا كان في شرع نبينا في الابتداء، فأما قوله: {ما أنا بباسط يدي إليك}، يعني: بالدفع.

وقيل: لم يكن ذلك شرعا، وإنما قال ذلك؛ استسلاما للقتل؛ وطلبا للأجر، وهذا جائز لكل من يقصد قتله، أن يستسلم وينقاد، وكذا فعل عثمان -رضي الله عنه- وهو أحد قولي الشافعي. وفيه قول ثالث: أن المراد به: لئن ابتدأت بقتلي ما أنا بمبتدئ بقتلك، والصحيح آخر القولين. اهـ.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: {ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} فيه قولان: أحدهما: أما أنا بمنتصرٍ لنفسي، قاله ابن عباس. والثاني: ما كنت لأبتدئك، قاله عكرمة. وفي سبب امتناعه من دفعه عنه قولان:

أحدهما: أنه منعه التحرُّج مع قدرته على الدفع وجوازه له، قاله: ابن عمر وابن عباس.

والثاني: أن دفع الانسان عن نفسه لم يكن في ذلك الوقت جائزاً، قاله الحسن ومجاهد.
وقال ابن جرير: ليس في الآية دليل على أن المقتول علم عزم القاتل على قتله، ثم ترك الدفع عن نفسه، وقد ذُكر أنه قتله غِيلةً، فلا يدَّعى ما ليس في الآية إلا بدليل. اهـ.

والمقصود أن الآية ليس فيها دليل على أنه لا يجوز للمؤمن الدفاع عن نفسه! كيف وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فلا تعطه مالك» قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله». قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد»، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار». رواه مسلم.

فدفاع المسلم عن نفسه جائز، ولكن الأفضل أن يمتنع عن قتل صاحبه وإن أدى ذلك إلى قتله هو، وهذا هو اختيار هابيل.

وهذا ما يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قيل: أفرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده إلي ليقتلني؟ قال: كن كابن آدم. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.

قال القاري في مرقاة المفاتيح: قال تعالى حكاية عن هابيل جوابا لقابيل: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} مع أنه يجوز له قتله دفعا عن نفسه، وكان أقوى منه، لكن اختار الطريق الأكمل؛ ليكون من الفريق الكمل. اهـ.

ولمزيد الفائدة، يمكن الاطلاع على الفتوى: 109810.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني