الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دليل اشتراط أن يكون الجوربان صفيقين

السؤال

ثبت عن الصحابة المسح على الجوارب من غير اشتراط شروط للجورب، والجورب معروف في اللغة، وفي العرف.
السؤال: ما الدليل من الكتاب، والسنة، أو قول صحابي على اشتراط أن يكون الجورب صفيقا أو ثخينا؟
أريد دليلا من الكتاب، والسنة، أو قول صحابي، بدون ذكر أقوال الفقهاء المجردة عن الدليل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد استدل فقهاء الحنابلة -وهم القائلون باشتراط كون الجوربين صفيقين، وضبطوا ذلك بإمكان متابعة المشي فيهما- بأن المعنى الذي لأجله أبيح المسح على الخفين كون الحاجة داعية إلى لبسهما للمشي فيهما، فما كان بمعناهما كالجوربين الصفيقين يلحق بهما، وما لم يكن كذلك، فلا تتعلق به الحاجة، ومن ثم فلا يمسح عليه.

قال في حاشية الروض: لأن ما لا يمكن متابعة المشي عليه لا تدعو الحاجة إليه فلم تتعلق به الرخصة. انتهى

وبين شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة دليل الحنابلة على مذهبهم فقال ما عبارته:

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُمْكِنَ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ. لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ بِلَالٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُوقُ "الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ" وَالْمُوقُ إِنَّمَا يُلْبَسُ غَالِبًا فَوْقَ الْخُفِّ، وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّ مَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلِ إِذَا كَانَ الْمَحَلُّ الْفَرْضُ يُمْشَى فِيهِ عَادَةً فَقَدْ شَارَكَ الْخُفَّ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُبِيحَ لَهُ الْمَسْحُ فَيُشَارِكُهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ الْمَنَازِلُ وَالْقِفَارُ أَوْ لَا، وَلِهَذَا يُمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ مِنْ جِلْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَعْلٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِيهِ عَادَةً هُوَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إِلَى لُبْسِهِ وَسَتْرِهِ لِمَحَلِّ الْغَرَضِ لِيَنْتَقِلَ الْغَرَضُ إِلَيْهِ، فَإِذَا حَصَلَا تَعَيَّنَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ كَانَ الْمَسْحُ عَلَى ذَلِكَ مُنْتَشِرًا فِي الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ، قَالَ أَحْمَدُ: "يُذْكَرُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ سَبْعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ" وَجَوْرَبُ الْخِرَقِ كَجَوْرَبِ الصُّوفِ إِذَا كَانَ صَفِيقًا حَيْثُ يُمْشَى فِي مِثْلِهِ عَادَةً، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَتَخَرَّقُ فِي الْيَوْمَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ أَوْ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي مِثْلِهِ لَا يُمْشَى فِيهِ عَادَةً، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْمَسْحِ عَلَيْهِ. وَإِذَا ثَبَتَ الْجَوْرَبَانِ بِنَعْلَيْنِ يُمْسَحُ عَلَيْهِمَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُذْكَرُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى

وفي المسألة خلاف بيناه في الفتوى: 352525.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني