الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في العمل بالبنوك الربوية في أقسام لا تباشر الربا

السؤال

كنت أحاور صديقا لي في حكم العمل في البنوك، فقلت له إن العمل فيها محرم، حتى لمن يعمل فيها لحراستها، أو يعمل فرَّاشًا؛ لقول الله (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). فاحتج عليّ بأننا في جامعة خاصة، ونحن أيضا ندفع أموالا لنتلقى التعليم فيها، والمسئولون عن هذه الجامعة يأخذون هذه الأموال، ويضعونها في البنوك؛ لتجلب لهم فوائد، أي أن ذلك ربا، ونحن من نعطيهم هذه الأموال للتعلم، وهم يضعونها، فمعنى ذلك أننا أيضا نعاونهم على الربا، فمعنى ذلك أنه لا يجوز لنا أن نتعلم في هذه الجامعة.
فهل قوله صحيح؟ وهل قياسه صحيح؟ وإذا كان خطأ، فما الفرق بين الحالتين؟ وما وجه الدلالة على خطئه؟
أرجو التفصيل، والاحتجاج عليه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما قلته لصاحبك من تحريم العمل في البنوك الربوية، ولو في حراسة ونحوها؛ هو قول كثير من أهل العلم المعاصرين، ففي فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء: البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز للمسلم أن يشتغل فيها، لما فيه من إعانة لها على التعامل بالمعاملات الربوية، بأي وجه من وجوه التعاون من كتابة، وشهادة، وحراسة، وغير ذلك من وجوه التعاون، فإن التعاون معها في ذلك تعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ. اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟ فأجاب:

لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية، ولو كان الإنسان سائقا أو حارسا، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها، لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضيا به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه، أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لا شك أنه مباشر للحرام وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، وقال: هم سواء. اهـ.

وما احتج به صاحبك عليك؛ فهو غير صحيح، فالعمل في البنوك إن كان فيما يتعلق بأعمال الربا، ففيه إعانة مباشرة على الحرام، وإن كان فيما لا يتعلق بأعمال الربا كالحارس ونحوه، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى اعتباره معينا على الربا، أمّا دفع الأموال للجامعة من أجل التعليم؛ فليس فيه إعانة مباشرة، ولا مقصودة على التعامل بالربا، وراجع ضابط الإعانة المحرمة في الفتوى: 312091.

وذهب بعض أهل العلم إلى جواز العمل في البنوك الربوية في أقسام لا تباشر الربا، يقول الدكتور خالد المصلح: ....فإنَّ كثيرًا من أهل العلم رأوا أن جميع الأعمال في البنوك الربوية، على أي وجه كانت تدخل في الإعانة على المحرم، والله تعالى قد قال: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة: 2].

فعلى هذا لا يجوز العمل، واستدلُّوا بأدلة عديدة: منها ما في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ». صحيح البخاري (2085)، وصحيح مسلم (1597) ومعنى هذا أن الملعون في الربا خمسة: وليس فقط الآكل والمؤكل اللذان يباشران جني فائدة الربا أو المباشرة، بل الكاتب وهو أجنبي ما يدرك مالاً، والشاهد: وهو مجرد حفظ للحق يدخل في التحريم.

وعلى هذا فإن جماعة من أهل العلم وهو الذي يفتي به الأئمة وأعلام كبار في زماننا كشيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وشيخنا محمد العثيمين رحمه الله أنه لا يجوز العمل في البنوك الربوية في أي قطاع على الإطلاق.

القول الثاني: هم الذين رأوا أن في هذه البنوك مجالات لا تباشر الربا، وإن كانت قد تخدم الربا، لكنها ليست مباشرة له، وليست كاتبة ولا شاهدة، فقالوا: بأنه يجوز العمل في المجالات البعيدة التي لا تباشر الربا كخدمات العملاء في جوانب المتاجرة، وما أشبه ذلك من الأعمال التي لا تكون متصلة بالربا.

هذان قولان لأهل العلم: والذي أرى أنه ينبغي للمؤمن أن يكون محتاطًا لمكسبه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني