الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما أحكام العهود في الإسلام؟ وهل في قبول المهاجِرات نقض لصلح الحديبية؟

السؤال

مما نصت عليه معاهدة الحديبية: منع المسلمين في المدينة من استقبال من أسلم من أهل مكة لعشر سنوات، وقبل انتهاء المدة هاجرت صحابية خفية من مكة إلى المدينة، فنزل قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ.
فقبلها رسول الله، أفلا يكون ذلك نقضًا للعهد؟ وما أحكام العهود في الإسلام؟ ومتى يحل نقضها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالبند الذي في صلح الحديبية نص على إرجاع الرجال، لا على إرجاع النساء، ففي صحيح البخاري في قصة الصلح وبنوده: ... فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا ... قال البيهقي في السنن الكبرى: وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي هَذَا الشَّرْطِ. اهــ.

فلم يُخِلَّ النبي صلى الله عليه وسلم ببنود الصلح، بل وفى بها -عليه الصلاة والسلام-، ورد إليهم من جاءه مسلمًا من الرجال؛ التزامًا بالعقد حتى كانت قريش هي التي أخلت بالعهد، وكان إخلالهم بالعهد سببًا لفتح مكة.

والإسلام جاء بالأمر بالوفاء بالعهود ما دامت جائزة، لم تشتمل على محرم، قال القرطبي في تفسير قول الله تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ {سورة البقرة:27}، قال: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ وَالْتِزَامَهُ وَكُلَّ عَهْدٍ جَائِزٍ أَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نَقْضُهُ؛ سَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَ مُسْلِمٍ أَمْ غَيْرِهِ؛ لِذَمِّ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وقد قال: "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" [المائدة:1]، وَقَدْ قَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ" [الأنفال:85]، فَنَهَاهُ عَنِ الْغَدْرِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنَقْضِ الْعَهْدِ. اهــ.

ورد النص بأن المسلمين إذا خافوا من الكفار الخيانة ونقض العهد بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم؛ فإن المسلمين لا يعاملونهم بالمثل، فلا يغدرون بهم، ولا ينقضون العهد معهم، بل يخبرونهم بعدم استمرار العهد بين الطرفين، قال تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ {الأنفال:58}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني