الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم السعي في تطليق المتضررة من زوجها

السؤال

بفضل ربنا أنا شخص محترم، وملتزم إلى حد ما، أحافظ على صلاتي، وقراءة القرآن يوميا، ولساني دائما ذاكر لله.
أخواتي 3، متزوجات، وعندهن أولاد. وأنا أخوهن الوحيد، ووالدي ووالدتي على قيد الحياة، على المعاش.
الحمد لله أخواتي مستقرات، وحالهن طيب، ماعدا واحدة منهن حالها جيد ومستورة، ولكن زوجها عصبي ويضربها، ويسب أهلها، ويسب أبي وأمي وعائلتنا كلها.
للأسف، والدي في بداية هذه المشاكل تعامل معه بطيب ولين؛ لكي يحرجه فلا يكرر الضرب. هذا الموضوع تكرر أكثر من 3 مرات، وكان دائما رد الفعل: لين وطيب.
وأنا محروق من داخلي؛ لأن أختي تضرب وتهان، وأنا لست ضعيفا أو عاجزا عن أخذ حقها، ولكني خائف أن أتهور فأذنب وأخرب الدنيا، خاصة أن بينهما طفلتين.
هذه المرة هي غضبانة عندنا من أول رمضان. وزوجها لا ينفق عليها ولا على أولادها، منذ أن جاءتنا.
جاءنا مرة واحدة، ويتكلم بمنتهى الجرأة، والمفروض أنه سيأتي مرة أخرى، هو رجل كبير من عائلته، مع العلم أنه وقت الغضب لا يلتزم بوعده، ولا بوعد أي أحد كبير.
لا أستطيع أن أنام بسبب كثرة تفكيري، ومن الضيق الذي فيه، وأريد أن أقول له كلاما عنيفا، وأعرفه أني أستطيع أن أرد له كل هذا.
خاصة أن أباه مستشار، وهو مستقو به. لكن بدون مبالغة أستطيع أن أهينه وأؤذيه بمنتهى السهولة، ولكن كل الذي يمنعني إحساسي بالذنب، وخوفي من ربنا.
هل يجوز لي: العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم؟ خاصة أن هؤلاء أهل بيتي، وأنا أخوهن الوحيد ووالدي يتعامل بسلبية جدا!!
أو المفروض أن أتركها ترجع له بقاعدة من قاعدتهم، وتهان مرة أخرى، وتضرب مرة أخرى، لأجل خاطر الأولاد، والكلام الذي يجلب الإهانة وقلة القيمة!!
مع قناعتي أن الطلاق الآن أحسن من بعد ذلك. وفي حياة أبي أفضل من بعده. وهذا الكلام قلته له، وهي معها طفلة واحدة، والآن معها طفلتان.
وهل لو سترجع وأنا صممت وقويتها على عدم رجوعها، سأتحمل ذنبها؟ خاصة أني أعرف أثري عليهن، وكلمتي لها وزن، ومع العلم أني أكثر من يتضرر بطلاقها، وأكثر من يحمل همها وهم أطفالها طول عمري؛ لأن أخواتي عندي لهن الأولية عن نفسي، ومع ذلك أريد أن تطلق وتعيش حياة كريمة، أفضل من راحتي أنا في رجوعها، لكن تعيش مهانة؛ لأني واثق أنه لن يترك موضوع الضرب هذا.
ولو رجعت له وتوعدته أنه لو موضوع الضرب، سيكون ذلك ثأرا بيني وبينه.
هل علي ذنب؟
آسف على الإطالة، وأتمنى ردا يبرد النار في صدري.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان زوج أختك يضربها بغير حق، ويهينها ويسبها ويسب أهلها؛ فهو ظالم لها، ولا حرج عليك في إقناع والدك وأختك بالسعي في تطليقها منه، ما دام الغالب على ظنّك أنّه لن يرجع عن هذا الظلم.
لكن ليس لك الحقّ في تأديبه أو الثأر منه بنفسك؛ وإنمّا يحقّ لأختك رفع الأمر للقاضي؛ ليرد زوجها عن ظلمه، أو يلزمه بالتطليق إذا أرادته، ويؤدبه على ظلمه لها.

قال الدردير -رحمه الله- في الشرح الكبير: ولها: أي للزوجة التطليق على الزوج بالضرر. وهو: ما لا يجوز شرعا كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك، وسبها وسب أبيها نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون، كما يقع كثيرا من رعاع الناس، ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق. انتهى.
وليس الطلاق شراً في كل الأحوال، بل ربما كان خيراً للزوجين، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ. النساء (130).

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله. فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. انتهى.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: قَدْ يَكُونُ الطَّلَاقُ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ الَّتِي يَفُكُّ بِهَا الْمُطَلِّقُ الْغُلَّ مِنْ عُنُقِهِ، وَالْقَيْدَ مِنْ رِجْلِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ نِقْمَةً، بَلْ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ مَكَّنَهُمْ مِنَ الْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني