الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل الدعاء مخلوق؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكر لك تواصلك معنا، وننصحك بأن تصرفي همّتك إلى السؤال عن أصول الإيمان، وأعمال القلوب، والعبادات، ونحوها من العلوم التي يحتاجها كل مسلم في أمر دِينه.

وأما الغرائب والمعضلات المتكلّفة -والتي تكثرين منها-، فمن المستقبح التشاغل بالسؤال عنها، وراجعي في ذمّ مثل هذه الأسئلة والتحذير منها الفتوى: 286822.

ومثل هذا السؤال من الأسئلة المبتدعة التي كان يثير أمثالها طائفة من المبتدعة ابتغاء التلبيس، وفرارًا من التصريح ببدعهم وأقوالهم المنكرة في خلق القرآن.

وعلى كل حال؛ فالدعاء إن أريد به فعل العبد، فلا ريب في أن العبد مخلوق، وأفعاله كلها مخلوقة محدثة.

وأما إن أريد بالدعاء: ما يذكره الداعي من أسماء الله وصفاته مثلًا في دعائه؛ فإن أسماء الله سبحانه وصفاته، ليست بمخلوقة، قال ابن تيمية:

* الإيمان هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟

هذه المسألة نشأ النزاع فيها لما ظهرت محنة الجهمية في القرآن هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ وهي محنة الإمام أحمد، وغيره من علماء المسلمين، فقد جرت فيها أمور يطول وصفها هنا.

لكن لما ظهر القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأطفأ الله نار الجهمية المعطلة، صارت طائفة يقولون: إن كلام الله الذي أنزله مخلوق، ويعبرون عن ذلك بـ «اللفظ»، فصاروا يقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، أو تلاوتنا أو قراءتنا له مخلوقة. وليس مقصودهم مجرد أصواتهم وحركاتهم، بل يدرجون في كلامهم نفس كلام الله الذي نقرؤه بأصواتنا وحركاتنا.

وعارضهم طائفة أخرى قالوا: ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة.

وردّ الإمام أحمد على الطائفتين، وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع.

وتكلم الناس حينئذ في الإيمان، فقالت طائفة: الإيمان مخلوق، وأدخلوا في ذلك ما تكلم الله به من الإيمان، مثل قوله: «لا إله إلا الله»، فصار مقتضى قولهم أن نفس هذه الكلمة مخلوقة لم يتكلم الله بها؛ فبدّع الإمام أحمد هؤلاء، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله»، أفيكون قول: «لا إله إلا الله» مخلوقًا!

والمقصود هنا أنه نشأ بين أهل السنة والحديث النزاع في "مسألتي: القرآن، والإيمان" بسبب ألفاظ مجملة، ومعانٍ متشابهة.

وطائفة من أهل العلم والسنة -كالبخاري صاحب الصحيح، ومحمد بن نصر المروزي، وغيرهما- قالوا: الإيمان مخلوق؛ وليس مرادهم شيئًا من صفات الله، وإنما مرادهم بذلك أفعال العباد، وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أفعال العباد مخلوقة.

و"مسألة الإيمان" لم يقل قط أحمد بن حنبل أن الإيمان غير مخلوق.

والواجب أن نثبت ما أثبته الكتاب والسنة، وننفي ما نفاه الكتاب والسنة.

واللفظ المجمل الذي لم يرد به الكتاب والسنة، لا يطلق في النفي والإثبات حتى يبين المراد به، كما إذا قال القائل: الرب متحيز، أو غير متحيز، أو هو في جهة، أو هو في غير جهة، قيل: هذا ألفاظ مجملة، لم يرد بها الكتاب والسنة لا نفيًا ولا إثباتًا، ولا نطق أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان بإثباتها ولا نفيها، وكذلك إذا قال: الإيمان مخلوق أو غير مخلوق؟

قيل له: ما تريد "بالإيمان"؟

أتريد به شيئًا من صفات الله وكلامه، كقوله: لا إله إلا الله، و"إيمانه" الذي دل عليه اسمه المؤمن؟ فهو غير مخلوق.

أو تريد شيئًا من أفعال العباد وصفاتهم؟ فالعباد كلهم مخلوقون، وجميع أفعالهم وصفاتهم مخلوقة، ولا يكون للعبد المحدث المخلوق صفة قديمة غير مخلوقة، ولا يقول هذا من يتصور ما يقول.

فإذا حصل الاستفسار والتفصيل، ظهر الهدى، وبان السبيل. اهـ. باختصار. وانظري الفتوى: 403702.

ونعتذر عن إجابة سؤالك الآخر؛ لأننا بيّنّا في خانة إدخال الأسئلة أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال، سيتم الإجابة عن السؤال الأول منها، وإهمال بقية الأسئلة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني