الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواز الخلع والإعانة عليه لسوء العشرة

السؤال

أنا فتاة جامعية، أدرس في دولة غربية، وأسكن مع أخي الأكبر الأعزب.
لدي صديقة تعرفت على شاب عن طريق الصدفة، ثم اتصل بأبيها وخطبها، وبعد 6 أشهر تزوجا.
قال لها في أول أيام زواجهما: هناك أمور يجب أن تعرفيها: لا يجوز لك الخروج من البيت بدون إذني، ويجب عليك لبس النقاب حتى لو لم تكوني مقتنعة به؛ فطاعتي واجبة.
وبعد أسبوعين أجبرها وبدون رضاها أن تترك الجامعة، وذهب هو إلى الجامعة وفصلها منها، وقال لها إن الدراسة الحديثة لا فائدة منها.
قالت له: أنا عضوة في نادي طالبات، ندعو إلى الله، وقد دخل على أيدينا أكثر من 60 طالبة الإسلام، لكنه رفض.
وبعدها بشهرين بدأت المشاكل بينهما تتفاقم؛ لأنه منعها من كل شيء، فقط تجلس في غرفة من أربعة جدران 24 ساعة.
وكان يضربها على أتفه الأسباب بحجة القوامة. وفي ليلة من الليالي زاره أصدقاؤه، وطلب منها أن تحضر لهم طعاما، لكنها رفضت، وقالت: خدمتهم ليست واجب علي. ولما ذهب أصدقاؤه قام بضربها كالعادة، وخرج لصلاة العشاء. حينها أخذت هي بعض أوراقها الضرورية وهربت. أخذها أخي مباشرة للمستشفى؛ لأنها كانت تنزف. ولما رجعت للبيت أخبرتنا بالقصة.
بقيت معنا في البيت، وبعدها اتصلت بأبيها وأخبرته أنها مريضة، وأن زوجها ضربها. صُدم أبوها، وقال إنه لم يرفع يده عليها مطلقا، ورباها بدون ضرب. فكيف يضربها هو! إنه والله ليس برجل.
طلبت الخلع منه، قلت لأخي أن يساعدها، فأعطاها أخي المبلغ، فجاء وأخبرته أنها تريد الخلع، رفض وخرج من المركز، وحكم المسؤول بالخلع وأرسلت له المبلغ عن طريق حسابه في البنك.
بعدها بيوم نزعت النقاب، وقالت إنها غير مقتنعة بوجوبه. هي الآن تسكن معي في غرفتي، وأخي يوصلنا للجامعة، ويعطيها مصروفها يوميا.
هل ما فعله أخي صحيح من إعطائها مهر الخلع؟
لقد تركت النقاب بعد أن لبسته غير مقتنعة به من البداية. هل تعتبر آثمة؟
وهل يجوز لأخي أن يكون وصيا عليها؟ وهل تلزمها طاعته بعد أن أوصاه أبوها عليها؟
وهل الخلع تم أصلا برفض الزوج ورضاها هي وأبيها، وقد حكم المسؤول به؟
واذا كان يجوز لها أن تسكن معنا. فما هي الحدود الشرعية بينها وبين أخي، وحتى بيني أنا وبين أخي؟
وهل يجوز أن نأكل في طاولة واحدة، أو نشاهد التلفاز، أو نخرج في رحلة أو للمتنزه؛ لأن أخي يخرج بي كل يوم أحد إما للبحر أو الحدائق؟
عذرا على الإطالة، لكنني حاولت أن أختصر قدر الاستطاعة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان الحال -كما ذكرت- من إساءة زوج تلك المرأة معاملتها، وضربها ضرباً مبرحاً؛ فسؤالها له الخلع جائز لا حرج فيه، وإعانة أخيك لها على الخلع جائزة.
جاء في منتهى الإرادات : كتاب "الخلع" وَهُوَ: فِرَاقُ زَوْجَتَهُ بِعِوَضٍ، بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ. وَيُبَاحُ لِسُوءِ عِشْرَةٍ، ولِمُبْغِضَةٍ تَخْشَى أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ تعالى. انتهى.
والأصل في الخلع أن يتمّ برضا الزوجين، لكن في حال تضرر الزوجة من البقاء مع زوجها، وامتناع الزوج من مخالعتها، فالراجح عندنا أنه يجوز للقاضي أن يحكم بالخلع ولو لم يرض الزوج، كما سبق بيان ذلك في الفتويين: 105875، 126259
وبخصوص حكم الخلع عن طريق المركز الإسلامي، راجعي الفتوى: 229858
وخلع المرأة النقاب إن كان لاعتقادها عدم وجوبه تقليداً لمن قال بذلك من أهل العلم؛ ليس فيه إثم.
وليس لأخيك وصاية أو ولاية على هذه المرأة، ولا تجب عليها طاعته كطاعة أبيها.
ولا يجوز للمرأة أن تسكن معك وأخيك في مسكن واحد متحد المرافق.

قال الماوردي -رحمه الله- في الحاوي الكبير: وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الدَّارُ ذَاتَ بَيْتٍ وَاحِدٍ، إِذَا اجْتَمَعَا فِيهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ لَا تَقَعَ عَيْنُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ أَوْ نِسَاءٌ ثِقَاتٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُحْفَظُ عِنْدَ إِرْسَالِهَا. انتهى.
وإذا كان لها مسكن مستقل بمرافقه عن مسكن أخيك، فالواجب عليها اجتناب الخلوة، أو الاختلاط المريب معه، وعليها غض البصر وترك الكلام معه بغير حاجة، ولا نرى جواز جلوسها معك في حضور أخيك على الطعام أو مشاهدة التلفاز، ولا الخروج معكما للتنزه.
وينبغي على أبيها أن يضمّها إليه، أو يسكنها مع محارمها في موضع تأمن فيه على نفسها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني