الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلة العمّ الذي يرفض الرد على المكالمات

السؤال

أنا شاب عمري 18 سنة، توفي أبي منذ شهرين، وقد توفي منتحرًا؛ لأنه كان مريضًا نفسيًّا، ويتعاطى أدوية تجعله غير مدرك لأفعاله.
وبعد ساعتين من موته استدعت الشرطة أمّي للتحقيق معها، فذهبت أنا وأخي معها، بينما أتت سيارة الإسعاف وأخذت أبي -كان قد مات بالفعل- إلى المستشفى، وكان هذا في زمن الكورونا، ولا يسمح إلا لعدد قليل بالدخول إلى المستشفى، وبعد عناء طويل خرجت أمّي من المركز بعدما شكوا أنها هي من قتلته، وكانوا سيوقفونها إيقافًا تحفظيًّا، وتبيت تلك الليلة في السجن، وذهبنا إلى منزل جدّتي، وقد كنت مصدومًا ذلك اليوم، ومن صدمتي هذه لم يخطر ببالي أبدًا أن أذهب لأبي في المستشفى.
جاءني أصدقائي من جيراني ليعزوني، فأخبروني أن عمّتي افتعلت فضيحة في حيّنا، وسبت، وزعمت أننا نحن من قتله -كانت لها مشكلة مع أمي-، وأمضينا نهار اليوم التالي في مهاتفة عمّي لمعرفة مكان دفن أبي؛ لأني كنت أريد دفنه أنا وأخي، فلم يجب على مكالماتنا، وأجابتنا زوجته، وقالت: إنه مشغول بالإجراءات لإخراجه من المستشفى، وقالت: إنه سيكلمنا لاحقًا.
ولم نكن نظن أنه سيستطيع إخراج أبي؛ لأن ذلك كان أول يوم تسمح دولتنا فيه للمواطنين بالخروج، وأمضينا بقية النهار نهاتف عمّي وعمّتي، وذهبنا إلى منزليهما، فلم نجدهما، ولم يجيبا على هواتفنا، ثم صدمنا بمعرفة أن أبي قد دفنه أحد أصدقائه، ولم أعرف ماذا أفعل، وانهارت أمّي؛ لأننا كنا نعرف أنهما فعلاها عمدًا.
أعرف أنكم ستقولون لي: لا تظن السوء بهم؛ لعلهم فعلوا هذا اتّباعًا للسنة، فإن كان كذلك حقًّا، فلم لم يهاتفنا إلى اليوم أي أحد منهم!؟
واعتذروا لأصدقاء أبي عندما سألوهم عن سبب عدم وجودنا بعذرين مختلفين تمام الاختلاف، وقد اتصلنا بإحدى عمّاتي للاستفسار، فاتهمني أنا وأخي بقلة الرجولة، وأننا من لم يرد حضور الجنازة.
وقد حدث ما حدث، وقطعتهم كما قطعوني، ولكم كنت أدعو ربي أن يهديني إلى صلتهم، ليس لمحبتي لهم، بل إنني أكرههم؛ لأنه لم يهاتفنا أي أحد منهم -غير عمّة واحدة لي- ليعزونا، وهم سبعة أعمام، وأحسست بنفاقهم؛ لأني دائمًا كنت أنظر إليهم على أنهم أتقياء، ومنهم من حج بيت الله، وقد هداني ربّي وهاتفتهم جميعًا، وبقي عمّ أهاتفه مرارًا وتكرارًا، لكنه يرفض الإجابة، فماذا أفعل؟ وهل أزوره في منزله؟ وكيف وهو يرفض مكالمتي، وأهلي لا يعرفون أني أصلهم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأحسن الله عزاءكم في أبيكم، ونسأله سبحانه أن يغفر له، ويرحمه، ويتقبله قبولًا حسنًا، ويرفع درجاته في الفردوس الأعلى.

ونوصيكم ببره، والإحسان إليه بالدعاء، وغير ذلك، وانظر لمزيد الفائدة الفتوى: 7893، ففيها بيان كيفية بر الوالدين بعد موتهما.

وإن كان من أعمامك وعمّاتك من اتهمك وأمّك بقتل أبيكم، فقد أساؤوا إساءة عظيمة؛ لأن هذا من سوء الظن الذي جاء الشرع بالتحذير منه، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ... {الحجرات:12}.

وقد أحسنت بحرصك على صلتهم رغم قطيعتهم لكم، وفي ذلك أجر عظيم، روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك».

واجتهد في أمر التواصل مع عمّك الذي لا يريد أن يرد على مكالماتك، والعمل على إزالة هذه القطيعة، ويمكنك الاستعانة في ذلك بمن لهم تأثير عليه؛ لتغلق الباب على الشيطان؛ فإنه حريص على نشر العداوة، والبغضاء بين الناس، والتفريق بين الأحبة، ففي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم، أنت.

ومجرد كراهيتك لأعمامك وعمّاتك بسبب تصرفاتهم، لا حرج عليك فيه؛ لأنها من الأمور القلبية التي لا اختيار للمرء فيها، وقد قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.

ووصفك أعمامك بالنفاق، أمر محرم، يجب عليك التوبة منه، جاء في فتح الباري للحافظ ابن حجر قوله: وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة في قوله: "ولا تلمزوا أنفسكم"، قال: لا يطعن بعضكم على بعض. "ولا تنابزوا بالألقاب" قال: لا تقل لأخيك المسلم: يا فاسق، يا منافق. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني