الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إعطاء المسوِّق عمولةً للمقاوِل لكي يوجّه أصحاب القسائم للشراء منهم

السؤال

أنا أعمل في قسم المبيعات في إحدى الشركات، ونحن نقوم بترويج بضاعتنا للزبائن، الذين هم غالبًا أصحاب قسائم، أو مقاولون يعملون لديهم، ومنتجاتنا لها منافسون كثيرون في البلد.
أما صاحب القسيمة؛ فكل ما يهمه السعر الرخيص، مع العلم أن جودة منتجاتنا عالية، وهذا الزبون لا مشكلة معه.
وأما المقاول فهو قد يوجّه (ينصح) صاحب القسيمة بما يراه مناسبًا، فإذا عرضت على المقاول منتجاتي فلن يقبلها إلا بفائدة، أو عمولة، أو هدية، والمقاولون (إلا من رحم ربي) لا يتعاملون إلا مع من يعطيهم عمولة، أو نسبة من الربح؛ حتى يشتروا منه المنتج، أو ينصحوا به صاحب القسيمة، فما حكم دفع عمولة، أو نسبة لمقاول يعمل لدى صاحب القسيمة حتى يشتري منتجاتي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمقاول إن كان وكيلًا عن صاحب القسيمة، فهو هنا مؤتمن، وعليه أن يتحرى الأحظّ لموكله، لا لمن يعطيه عمولة، أو هدية، قال البهوتي في (شرح منتهى الإرادات): إطلاق الوكالة إنما يملك به الوكيل فعل الأحظ لموكله. اهـ. وقال المطيعي في تكملة المجموع: الذى يدور عليه مفهوم الوكالة هو إذن الموكل أولًا، وتوخّي الأنفع، أو الأحظ له ثانيًا .. اهـ.

وإعطاء المقاول الوكيل عن أصحاب القسائم هدية مما يفسد الذمم، فيبحث عمن يعطيه، ويدفع إليه بغض النظر عن الأحظّ لموكله.

لكن لو فسد حال الناس، وجرى عملهم بذلك، بحيث لو لم تعطوا هذا المقاول وأمثاله لم يعاملوكم، فتكسد بضاعتكم مع جودتها، وكون سعرها مثل أسعار باقي التجار، فنرجو ألا يكون عليكم حرج حينئذ في إعطاء المقاول ما يطلبه لكي يتعامل معكم؛ لما فيه من تحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها.

وقد أجاز الفقهاء بذل المال لكراء فحلٍ للضراب، إذا لم يجد من يُطرق له، وعللوه بأن الحاجة تدعو إليه، وقاسوه على رشوة الظالم لدفع ظلمه.

وهذا أقرب ما وجدناه لتخريج مسألتنا هذه، قال ابن قدامة -رحمه الله في فصل (إجارة الفحل للضراب) من كتابه: المغني: وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ، فَإِنْ احْتَاجَ إنْسَانٌ إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُطْرِقُ لَهُ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبْذُلَ الْكِرَاءَ، وَلَيْسَ لِلْمُطْرِقِ أَخْذُهُ. قَالَ عَطَاءٌ: لَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُطْرِقُ لَهُ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ بَذْلُ مَالٍ لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا، فَجَازَ، كَشِرَاءِ الْأَسِيرِ، وَرِشْوَةِ الظَّالِمِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني