الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام فك وديعة شهادات الاستثمار

السؤال

أنا والحمد لله من أسرة غنية، ولي من الإخوة من هو في الابتدائية، ومنهم من هو في الثانوية، ومنهم من يريد الزواج، ومنهن من تريد الزواج وأنا لا زلت في الجامعة.
ولم يكن لنا معيل غير أبي، إلى أن ابتلاه الله بالسرطان، وظل سنة كاملة يكابد مشقاته، إلى أن توفاه الله تعالى.
في ذلك الوقت اجتمعت علينا مشقات كثيرة، واضطررنا لترك مكان إقامتنا بما فيه من مسكن ومتاع، والعودة لبلادنا، وعلاج أبي الذي بلغ مبالغ كبيرة جدا جدا.
فكنا أمام خيارين: إما بيع أصولنا وممتلكاتنا التي أردناها لتمام نفقتنا إلى نتزوج، أو التعامل مع البنوك بما يسمى بشهادات الاستثمار.
وقتها كنا مختلفين: منا من اعتقد حلها؛ لفتوى أخذت من بعض المشايخ، ومنا من اعتقد جوازها للضرورة.
وظل هذا الحال إلى أن توفي أبي؛ فبادرت بالبحث عن هذه الأموال شرعا، اتضح لي لاحقا حرمة اتباع سقطات العلماء وآرائهم الشاذة المخالفة للإجماع، وأن الضرورة هي أبعد ما تكون عن حالنا، بالرغم من كل ما خسرناه في بضعة أشهر.
فكلمت أمي وإخواني، وخالفوني الرأي، وأٌقروا بأن يتموا العقد إلى ثلاث سنين بفوائد، ومن ثم لا عقد بعد ذلك مع أي بنك، على أمل إيجاد مصدر رزق مستمر ليجنبنا استنفاد أصل مالنا. علما أن بالإمكان كسر هذه الشهادات بغرامة تساوي كل ما تم تسليمه من فوائد.
فكلمت أمي وعاتبتها، وأكثرت جدالها في أن نعجل بكسر هذه الشهادات، ولكنها أيضا لم توافق للسبب الذي ذكرته آنفا.
سؤالي هو: هل يصح ترك هذا العقد لمدة ثلاث سنين؟
هل إن تم ذلك يجب علينا أن ندفع كل ما جاءنا من الفوائد، علما أنها مبالغ عظيمة؟
إن كانت الإجابة نعم، فهناك تفصيل. وهو أننا كنا ندفع الزكاة عن أصل هذه الأموال. هل تخصم الزكاة من الكفارة لاحقا، باعتبار أن الأموال يتم تداولها أثناء إيداعها في البنك.
هل تصح صدقاتي التي أخرجها من مصروفي؟
أفتوني، أفادكم الله.
أعتذر عن الإطالة، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن ييسر أمركم، وأن يؤتيكم من لدنه رحمة، وأن يهيئ لكم من أمركم رشدا.

وأما ما سألت عنه حول شهادات الاستثمار: فالظاهر أنها من بنك ربوي، وذات عائد ثابت، وإن كان كذلك، فعوائدها مِنْ الربا -والعياذ بالله- ولا يجوز إبقاؤها ولا الانتفاع بفوائدها، مع العلم بحرمتها، كما يدل عليه قول السائل: (اتضح لي لاحقا حرمة اتباع سقطات العلماء وآرائهم الشاذة المخالفة للإجماع، وأن الضرورة هي أبعد ما تكون عن حالنا).

وما دام فك الوديعة ممكنا، فتجب المبادرة إليه؛ تخلصا من هذا العقد الربوي.

وأما ما يترتب على ذلك من دفع ما تم استلامه قبل ذلك من الفوائد، فهذا ليس بمانع في الحقيقة، بل هو أقرب لتحقيق قول الله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ {البقرة:279}، حيث سيكون مجموع ما تم استلامه مع ما يسترد من بقية المبلغ: هو تمام رأس المال. ثم يكون البديل الشرعي هو استثمار هذا المال بطريقة مباحة، أو وضعه في بنك إسلامي، يضبط معاملاته على وفق الأحكام الشرعية. وانظر الفتاوى: 1220، 6013، 63357.
وأما زكاة هذا المال: فهي واجبة في أصله المباح دون فوائده الربوية، وتخرج من رأس المال لا من هذه الفوائد. وراجع في ذلك الفتاوى: 8557، 38906، 384406.

وأما تصدق السائل من مصروفه، فحكمه يكون باعتبار مصدر مصروفه، فإن كان حلالا، فالتصدق منه مقبول، وإن كان حراما فليس بمقبول، ولكن يثاب المرء على ترك الحرام، وانظر الفتويين: 392884، 44819.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني