الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التصرف تجاه الجلسات العائلية المختلطة

السؤال

أنا فتاة -والحمد لله- عشت في أسرة لا تسمع الأغاني ولا الموسيقى، ولا نجلس في مجالس مختلطة. وكنا نواجه الكثير من المشاكل من أهل أبي؛ إذ لا نحضر حفلات نجاحهم، ولا زفافهم وأعياد ميلادهم، مما سبب لنا هذا الكثير من المشاكل بذريعة أننا فرقنا شمل الأسرة.
لنا على هذه الحال ما يقارب 12 سنة، أصبحوا لا يخبروننا باجتماعاتهم ولا بزياراتهم، وكأنا لسنا أفرادا منهم.
في الحقيقة لا أمانع في هذا، ولكن المشكلة أن أبي يحب أهله كثيراً، فمؤخراً أصبح يتنازل عن الكثير من معتقداته خشية غضب أهله عليه. فأصبح يجلس في جلسة مختلطة (ليست تلك التي تكون بالتزام، أقصد تلك التي يكون فيها المزح والضحك واللعب) بحجة أنه هو رجل، وأن النساء هن من يجب عليهن تجنب الاختلاط بالرجال، وليس العكس. ولبى دعوة أحد المتزوجين حديثاً لحضور حفل زفافهم، الذي بالتأكيد يحتوي على الأغاني، تحت ذريعة صلة الرحم.
لست راضية أبداً بما يفعله أبي، وينغص قلبي حينما أرى كيف تغير دينياً، وكيف أصبح، وأدعو الله أن يعود كما كان.
حاولت نصحه مراراً، لكن أبي لا يعير كلامي انتباهاً، المصيبة أن أمي مؤخرا أصبحت متأثرة بأفكاره، وأصبحت تتراجع عن معتقداتها خشية البقاء وحيدين بدون أناس، وهي تخطط الآن لجعلنا نذهب إلى مثل هذه الحفلات، أنا لا أملك لنفسي شيئا، وأخشى أن أضطر في النهاية إلى أن أحضر مثل هذه الحفلات.
فسؤالي هو: هل يمكن الذهاب لهذه الحفلات من بدايتها، قصد تقديم التهنئة لهم، وأن أجلس فيها قدر ربع ساعة، وبعدها أسلم على الموجودين وأعود بعد ذلك؟
حسب رأيي أرى أن الأفضل أن لا أحضر هذه الحفلات، وأن أذهب لبيوتهم وأبارك لهم، ولكن ما باليد حيلة، فأبي وأمي غير مقتنعين بهذا.
ماذا عن جلسات الاختلاط: هل يجوز لي الجلوس بنفس المجلس المكون مني أنا وابن عمي وجدتي؟ أو مني أنا وزوج عمتي وعمتي، بدون محرم؟
وماذا عن أبي كيف أنصحه؟ كيف أرشده؟ وهو لا يسمع مني؟
انصحوني. جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالاستقامة على طاعة الله عز وجل نعمة من أعظم النعم التي ينبغي شكر الله عز وجل عليها بالمزيد من الطاعات، واجتناب المعاصي والمنكرات، فلا يجحد المسلم نعمة ربه عليه فيحرم النعمة، قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7} . هذا أولا.
ثانيا: من المطلوب شرعا من المسلم أن يخالط الناس، على أن يكون على بصيرة من أمره في ذلك، فلا يجامل أحدا على حساب دينه، بل يتمسك بدينه ويصبر على أذى الناس؛ ليرضي ربه، فيصبح ذامه من الناس حامدا له. روى ابن حبان في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ؛ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ. وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ؛ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ.
ثالثا: الجلسات العائلية لها ضوابطها الشرعية، التي سبق بيانها في الفتوى: 98295.

فلا يجوز تجاوز هذه الضوابط بالاختلاط المحرم، أو التبرج ونحو ذلك من دواعي الفتنة؛ كالضحك والمزاح ونحوهما مما ذكر بالسؤال.
رابعا: ينبغي بذل النصح لهؤلاء الأهل بالحكمة والموعظة الحسنة في كل ما تكون فيه مخالفات شرعية، وأن يبين لهم المقصود من عدم مشاركتهم وهو مراعاة ضوابط الشرع.

وإذا أمكنت المشاركة في المناسبات المشروعة من الزواج ونحوه، مع اجتناب أماكن المنكر بحيث لا يراه المسلم ولا يسمعه، فهو أمر حسن. ولتراجع الفتوى: 233377.

خامسا: ينبغي أن لا يغيب عن ذهنك ولا عن ذهن والديك أن الصبر والثبات والتمسك بالحق، مع تعليم الناس وإرشادهم، خير ما يعين على هدايتهم للحق، ومن يجاملهم في ذلك خسر في نفسه، وكان سببا لخسرانهم.

فاثبتي على الحق، واعملي على مناصحة والديك برفق ولين، وبيني لهما أن تنازلهما عن الحق قد يسخط عليهما ربهما، وقد يكون سببا لسخرية الناس منهما، فالسلامة من ألسنة الناس عزيزة، وإرضاء الناس غاية يصعب إدراكها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني