الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من تزوجت بدون ولي ولا شهود وأنجبت

السؤال

كنت قد سألتكم عن امرأة كانت على علاقة برجل أكثر من سبع سنين، ثم تزوجا دون أن يتوبا من الزنا الذي وقع قبل الزواج مع بعضهما، ومن كل منهما مع الغير.
وبعد مدة قامت أيضا بعمل سحر له؛ كي لا يقترب من امرأة سواها؛ لأنها بعد الزواج اكتشفت أنه كان على علاقة مع نساء أخريات؛ ولأن حياتها الخاصة معه كانت شبه معدومة من لقاء زوجي، فكان لا يقربها إلا بعد مدة طويلة، وبعد أن سحرته لم تر تغييرا فيه، كما كانت تتوقع، وندمت لأنه زادت حدته معها.
ثم تابت، وهي الآن تعلم أن زواجها منه باطل بسبب الزنى الحاصل قبل الزواج، وبسبب أنها حين تزوجته لم يكن عقدها إسلاميا؛ بمعنى أن وليها كان راضيا بزواجها، لكنه لم يكن حاضرا في العقد، وحضرت أمها وأختها فقط، ولم يكن في العقد شاهدان أو غير ذلك. لأنها تعيش في دولة غير مسلمة، وعائلتهما بعيدتان كل البعد عن تعاليم الإسلام.
وهي الآن محتارة ماذا تفعل؛ لأنها تعلم أنها لو أخبرت زوجها بشأن إعادة العقد الشرعي، فسيطلقها؛ لأنه أصلا يتمنى أن يعيد الزواج،
وهي تخاف؛ لأن لديها منه ثلاثة أولاد صغار، وتعلم أن أمها وأباها لن يستقبلاها في بيتهم، وليس لها مأوى غير بيت زوجها.
ما حكم بقائها معه دون أن يمسها؛ لأنه أصلا لا يقربها إلا كل سنة مرة أو مرتين؟ ما حكم بقائها أمامه دون حجاب؟ ما حكم أولادها؟
وهل تحسب أعمالها الصالحة إن كان لايجوز لها البقاء معه، لكنها بقيت، وتعمل الصالحات؟
هل يجوز لي أن أنصحها بأن تحسن إلى زوجها، وأن تتعامل معه بلطف بالنصائح التي قد تؤدي للألفة بين الزوجين؟
هي الآن تائبة، فهل يمكن أن تعامل في حالتها هذه كغير المسلمة؛ لأنها كانت شبه كافرة، فكانت لا تصلي، وتشرب الخمر، وبعيدة عن الله تماما.
هل قد تمحو توبتها كل ما مضى؟ ويجوز لها أن تعيش مع هذا الرجل؛ رغم أنها تزوجته بعد زنى دون توبة، وبعقد دون ولي؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالعقد الذي تمّ بغير ولي ولا شهود؛ عقد باطل لا يصحّ، فمجرد رضا الولي لا يكفي لصحة العقد ما لم يباشر الولي العقد، أو يوكل غيره في مباشرته.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: فإن عقدته المرأة لنفسها، أو لغيرها بإذن وليها، أو بغير إذنه لم يصح. انتهى.

والحنفية القائلون بصحة تزويج المرأة رشيدة نفسها؛ يشترطون أن يشهد على العقد رجلان، أو رجل وامرأتان.

جاء في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: يعني ينعقد بتلك الألفاظ التي تقدم ذكرها إذا وجدت عند رجلين حرين، أو رجل حر وامرأتين حرتين، يعني به حضور الشهود، ولا ينعقد إلا بحضورهم. انتهى.

وفي حاشية الشلبي عليه: وفي شرح الإرشاد: وأجمعوا أن النكاح لا ينعقد بشهادة النسوة المنفردات؛ لأنهن يقمن مقام رجل واحد، وبشهادة الواحد لا ينعقد، وهكذا في المبسوط. انتهى.

فالواجب على المرأة مفارقة زوجها، وعدم تمكينه من نفسها، أو الخلوة به، أو كشف شيء من بدنها عنده، وإذا أرادا تصحيح الزواج؛ فلابد من عقد جديد.

أما الأولاد فإنهم ينسبون لهذا الرجل، ما داما قد تزوجا معتقدين صحة هذا الزواج.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ، إذا وطئ فيه، فإنه يلحقه فيه ولده، ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلًا في نفس الأمر باتفاق المسلمين... إلى أن قال: فثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر، بل الولد للفراش، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الولد للفراش، وللعاهر الحجر . انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني