الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اجتناب محادثة الوالد والاكتفاء بسؤال الأم عن أحواله

السؤال

والدي -رحمة الله عليه- كان رجلًا شديدًا، جاف المشاعر، قاسي الطباع، يجور علينا بشدة بحجة التربية، ويبتعد عنا جدًّا؛ ظنًّا أن هذا الأفضل، وكان يعتقد أنه إذا ما تقرّب من ولده أو عامله بلطف، فهذا ضعف، والرجل لا يكون ضعيفًا.
بناء على تلك الطريقة من المعاملة؛ أصبح بيننا وبينه جفاء، وانتهى الأمر أن لا يتم بيننا التواصل إلا لحاجة، وتركت بلدي، وليس بيننا تعامل ولا مشاكل، ولكن جفاء لا يسأل ولا نسأل بشكل مباشر، وإنما نسأل أمّي عنه، ويسألها عنا، ويدعو لنا بصلاح الحال.
ومرت أعوام لم يسمع صوتي، ولم أسمع صوته، وحاولت كثيرًا أن أكلّمه للاطمئنان المباشر عليه، وكنت أخاف ولا أقدر على نفسي؛ حيث إنه كان تحت ضغط عصبي شديد من أمور تخصّ حياة أخي، وكنت أخاف أن ينفجر عليّ كالمعتاد.
عندما كنت أعلم من أمّي أنه يدعو لي، ويستحسن فعلي، ويحبّ زوجتي، ويثني علينا، لأننا لسنا مصدر إزعاج، بل مصدر راحة له، كنت أقول لنفسي: في أول زيارة ليكن اللقاء، وليفعل بي ما يريد، مع أنه غير غاضب مني، كما نُقِل لي، ولكني دائمًا لا أتوقّع ردة فعله، فلم أحدّثه، واكتفيت أنه كان يفخر بي، ويثني عليّ في كل مكان، فاكتفيتُ بكوني في خاطره.
ووالدي مات فجأة على حال يحسد عليه -مات مصليًا، صائمًا، قارئًا لكتاب الله حافظًا له-، وسألت أمّي وصديقًا له كان قريبًا منه، فقالوا: إنه كان راضيًا عني، وأنه ذكرني قبل وفاته بكل خير، ولكني متعب جدًّا؛ فأنا كنت جافًّا.
أعلم أنه لا عذر لي، ولكني قصّرت معه، حتى وإن كان غير غاضب أمام من حوله، ولكنه كان بالتأكيد يحمل داخله مني شيئًا.
قرّرت أن أتصدق بصدقة جارية عنه، ولم أرتح.
وكان يمتلك عقارًا يؤجر إيجارًا قديمًا، وظلم بائعه في سعر بيعه؛ لأن فيه ساكنًا، فقرّرت أن أعوّض المالك الأول، ولكني لست مرتاحًا حتى الآن، فماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل المولى -تبارك وتعالى- لأبيكم الرحمة، والمغفرة، والرضوان، ورفعة الدرجات في عالي الجنان، وأن يجمعكم به في الفردوس الأعلى. وأحسن الله عزاءكم فيه.

وإن كان اجتنابك لأبيك خشية ما يلحقكم منه من أذى، أو حذرًا من أن يحصل منك شيء من العقوق، فنرجو أن لا حرج عليك في ذلك.

ومن النعم العظيمة أن مات وهو راضٍ عنك، ففي رضا الوالد رضا رب العالمين تبارك وتعالى، روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.

ونوصيك بكثرة الدعاء له، والاستغفار، والتصدق عنه، وغير ذلك مما يكون به البر بعد الموت، قال النووي: ... ولكن ينبغي له بعد الندم على ذلك، أن يُكثر من الاستغفار لهما، والدعاء، وأن يتصدق عنهما، إن أمكن، وأن يكرم من كانا يحبّان إِكرامَه -من صديق لهما، ونحوه-، وأن يصلَ رَحِمَهما، وأن يقضي دَيْنهما، أو ما تيسر له من ذلك. اهـ.

وبخصوص الجزء الأخير المتعلق بالعقار، فإنه غير واضح، فنرجو توضيحه في سؤال مستقل؛ حتى تتم الإجابة عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني