الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من الغيبة النقد الأدبي وذكر المساوئ في كتب التاريخ والتراجم؟

السؤال

هل النقد من الغيبة المحرمة؟ كانتقاد قصيدة لأحد الشعراء، وقول: هذه ليست من الشعر في شيء، ولو بلغ كلامي صاحبَها، لكره ذلك، وكذلك نقد الوزراء والمسؤولين، كقول: أخطأ الوزير الفلاني خطأً فادحًا في هذا الأمر، وقد ذكر الغزالي في (الإحياء)، وأبو نعيم في (الحلية) قول ابن سيرين: "إن الله سينتقم للحجاج من الذين اغتابوه، وذكروه بسوء، كما سينتقم من الحجاج للذين ظلمهم"، أليس ذكر كبار المؤرخين والعلماء للحجاج بسوء في كتبهم من الغيبة المحرمة، وكذلك ذكر بعض الخلفاء بسوء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالنقد الأدبي فن وعلم يدرس، له قواعده وأصوله وفائدته.

وكل من شارك بإنتاج أدبي، فهو يعلم أن إنتاجه معرض للنقد.

ولا يدخل هذا في الغيبة المحرمة، طالما كان الكلام بعيدًا عن شخص الأديب نفسه.

وكذلك ما ذكر من المساوئ في كتب التاريخ والتراجم، لا يدخل في الغيبة المحرمة، إذا اقتصر على ما جاهر به صاحبه، قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية»: قال ابن منصور لأبي عبد الله -يعني الإمام أحمد بن حنبل-: إذا علم من الرجل الفجور، أنخبر به الناس؟ قال: "لا، بل يستر عليه، إلا أن يكون داعية". ويتوجه أن في معنى الداعية من اشتهر وعرف بالشر والفساد ينكر عليه، وإن أسر المعصية .. وقد قال القاضي: فإن كان يستتر بالمعاصي، فظاهر كلام أحمد أنه لا يهجر. قال في رواية حنبل: ليس ‌لمن ‌يسكر ‌ويقارف شيئًا من الفواحش حرمة، ولا صلة، إذا كان معلنًا بذلك مكاشفًا. اهـ.

وقال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: (ومن تجاهر بمعصية) كشرب خمر، ومصادرة الناس، وجباية الأموال ظلمًا (ذكر بها فقط) أي: لا بغيرها، إلا أن يوجد لجواز ذكره سبب آخر. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى: 150463، 133679، 201613، 305497.

وأما أثر ابن سيرين، فقال ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا أبو أسامة، عن أبي جعفر، قال: سمع ابن ‌سيرين رجلًا ‌يسبّ ‌الحجاج, فقال ابن ‌سيرين: إن الله حكم عدل, يأخذ للحجاج ممن ظلمه، كما يأخذ لمن ظلم من الحجاج.

ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة -ومن طريقه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب، وابن عساكر في تاريخه- من طريق سهيل بن أبي حزم قال: سمع ابن ‌سيرين رجلًا ‌يسب ‌الحجاج، فقال: مه -أيها الرجل-، إنك لو وافيت الآخرة كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج. واعلم أن الله حكم عدل إن أخذ من الحجاج لمن ظلم شيئًا، فسيأخذ للحجاج ممن ظلمه، فلا تشغلنّ نفسك بسبّه.

وهذا لا يتعارض مع ما سبق، فإن ذكر الحجّاج بما جاهر به، وإن كان جائزًا، إلا أن الانشغال بذلك مذموم، وغير ذلك أولى بلا ريب. ومع ذلك فابن سيرين -رحمه الله- معروف بالورع الشديد في باب الغيبة، وغيرها؛ حتى قال طلق بن وهب الطاحي: دخلت على محمد بن سيرين وقد كنت اشتكيت، فقال: ائت فلانًا، فاستوصفه؛ فإنه ‌حسن ‌العلم ‌بالطب. ثم قال: ولكن ائت فلانًا؛ فإنه أعلم منه، ثم قال: أستغفر الله، ما أراني إلا قد اغتبته. رواه ابن سعد في الطبقات. مع أن هذا أقرب للنصيحة المستحبّة منه للغيبة المحرمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني