الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماذا يفعل من أكره على النطق بكلمة الكفر؟

السؤال

يا أيها الأساتذة الكرام الذين تعملون على نشر دين الإسلام إلى شعوب العالم كلهم ليل نهار بدون مبالاة تعب و نصب كما أنزله ربنا الله..تمنعنا -نحن المسلمين الناطقين بالإيغورية- الشيوعيون من الصلاة منعا شديدا إذا اعتقلنا في السجن, ثم نحاول أن نصلي خفية بإيماء متيممين ونحن مشاة أو عاملون بأعمال شاقة, إذا شعر بنا شرطة الشيوعيين على رغم ذلك فنتعرض لعذاب شديد لا صبر له عادة, ونحبس –إلى جانب ذلك الحبس- فى بيوت بلية ندية فى السجن لا يرى نور شمس فيها, وفوق ذلك يشدوننا بالقيود والأصفاد إلى أوتاد الحديد, ويعذبوننا بتجويع وتظميء في تلك البيوت البلية.لا نخلص من تلك العقبات طول أعمارنا حتى نقول أمام المحبوسين الأخرى: إني أخطأت وندمت ولن أصلى بعد الآن وأنتم أيضا لا تصلوا.يفتي بعض علمائنا اعتبارا بتلك العقبات بأنه يجوز للمحبوسين ألا يصلوا الصلاة, وألايقولوا الحق, وأن ينطقوا أقوال الكفر عند الإكراه. إن نعمل بهذه الفتوى نخرج من السجن بعد أن قضينا وقتا حبسيا محددا وقته الشيوعيون, ثم نعمل ما شاء الله من خير الأعمال, إن شاء الله, وإلا فنبقى في العقبات التي تزداد يوما بعد يوم حتى الموت.إن قلنا –الدعاة المسلمون الأيغورية- كلمة الحق جليا وإن لم نقل كلمة الكفر التي نكرهها أمام شرطة الشيوعين منذ أن لاقيناهم قبل أن تبلغ فهمنا الصحيح الإعتقادي -التي نرضى أن نعذب ونقتل في سبيلها-, إلى قليل من الناس في محلنا, فمنع شرطة الشيوعيين منعا شديدا في وقت ذلك كل إنسان من الفاسق والكافر -غيرأئمة الكفر- من أن يلاقي معنا خشية أن يسمع شيئا من كلمة الحق.من سبب ذلك حصر فهمنا الصحيح الاعتقادي في أنفسنا –كل الدعاة- إن لم نقل كلمة حق جليا أمام شرطة الشيوعيين, وأسررنا عقائدنا وأعمالنا, و قلنا كلمة الكفر التي نكرهها فأمكن أن ندعو خفية كل فاسق وكافر -غير أئمة الكفر- بقدر استطاعنا إن شاء الله.هذه الأحوال عمليات شهدناها ولقيناها وسمعناها, ليست بتصورات.أيها الأستاذة الكرام! أي سبيل نختار فى السجن ونشير لإخواننا الذين في المجتمع.ننشدكم بالله أن تيسروا لنا مشكلتنا هذه بسماحة الشريعة الغراء والدين الحنيف اليسر وأن تجيبونا عنها جوابا مقنعا لنا بدلائله وحججه.يافضيلة الشيخ! هذا السوآل إن لم يوافق إلى النوع الذي اخترته لخدمتك للإسلام فننشدكم بالله أن تهب إلينا فهمك في هذه المسألة, لأنها جديدة لنا وشعبنا, وبذلك يحسن أن نسمع فهم كل واحد من العلماء المجتهدين الساعين لنشر الدين بوسائل شتى.أيها الأستاذة الكرام! لعلكم تترددون أن هذه الأحوال هي عملية أم تصورية, لأنكم لم تشهدوها, لذلك نرجو منكم أن تستخيروا الله فتجيبونا بما ألهمه الله لكم بعد أن تبحثوا عنه.يا ربنا الرحمن الرحيم! وفق أستاذة العرب إلى فتاوى صحيحة مفيدة برزقهم فهما صحيحا من الكتاب والسنة ومن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإلهامهم كياد الشيوعيين الذين يضطهدوا المسلمين الناطقين بالأيغورية ومشكلاتنا. يا ربنا الرحمن الرحيم! يسر لنا مشكلاتنا في دعوتنا إلى سبيلك بأن تهب للعلماء المرشدين المجتهدين الساعين لتيسير مشكلات المسلمين من العرب والأعاجم علما نافعا وفهما واسعا من الدين كما وهبتهما لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه! آمين!!!!.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج كربتكم، وأن يذهب غربتكم، وأن ييسر لكم أمركم، ثم اعلموا أن من قواعد الدين الأساسية قاعدة الحرج، وكون المشقة تجلب التيسير، فقد قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج: من الآية78)، وقال سبحانه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة: من الآية185)، فما دام الحال على ما ذكرتم فالواجب عليكم أداء الصلاة على الهيئة التي يمكنكم بها أداء الفرض، ولو كان ذلك بالقلب، بل إذا لم تتيسر الطهارة بالماء أو التراب صليتم على غير ماء ولا تيمم، وذلك أن الصلاة لا تسقط عن المرء بحال ما دام عنده عقله، إذا أن العقل هو مناط التكليف، فالحاصل أن الواجب عليكم أداء الصلاة ولكن على حال لا يترتب عليكم فيه ضرر.

وبخصوص ما يقع من إكراهكم على التلفظ بكلمة الكفر، فلا حرج عليكم في ذلك ما دامت قلوبكم مطمئنة بالإيمان، فقد فعل مثل ذلك بعمار بن ياسر رضي الله عنهما وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعذرهم الله تعالى، روى الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنهما، فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي في التلخيص.

ونذكركم في ختام هذا الجواب بالصبر على هذا الابتلاء لأن في ذلك تكفيراً للسيئات ورفعة للدرجات، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ونوصيكم بالثبات على دينكم، وأن تتذكروا أن هذا سبيل المؤمنين قبلكم، روى البخاري عن خباب رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، ولَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله.

فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني