الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يلزم الاحتياط في الأبضاع

السؤال

قرأت لأكثر من مجتهد عن الزواج وشروطه فوجدت أن الإمام مالك لا يشترط الشهادة والإمام أبو حنيفه لا يشترط الولي، فأرجو أن توضحوا المسألة وعلى أي شيء ارتكز الإمامان رحمهما الله، مع وجود الحديث: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" وغيره من الأحاديث التي توجب الولي والشاهد، وهل يجوز لي أن آخذ بقولهما إذا اردت الزواج بحيث آخذ برأي الإمامين ولا أحضر لا ولياً ولا شهوداً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن المسلم لا يحق له أن يترك العمل بدليل علمه لمجرد أقوال لا يعلم لها حجة تعارض ذلك الدليل الذي علمه، وإنما يلزمه عند الخلاف الأخذ بالراجح الذي قوي دليله وبما أن الأصل في الأبضاع التحريم فإنه يلزم فيها الاحتياط، وقد نهى العلماء كذلك عن تتبع الرخص، وقديماً قيل: وآخذ رخصة كل عالم تجمعت فيه شرور العالم

ثم إنه ليس من شيم طلاب العلم البحث عن أخطاء العلماء والواجب حسن الظن بهم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 20876.

وأما بخصوص هذه المسألة، فقد سبق أن بينا اشتراط الولي والشهود في صحة النكاح، فليراجع ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 964، 4632، 35552.

فالزواج من دون ولي وشهود هو عين نكاح السر المنهي عنه في حديث الطبراني: نهي عن نكاح السر، قال الهيثمي رواه الطبراني عن محمد بن عبد الصمد ولم يتكلم فيه أحد، وبقية رجاله ثقات.

واعلم أن المالكية يصح عندهم العقد ابتداء من دون إشهاد، ولكن لا يجوز الدخول عندهم حتى يقع الإشهاد أو يشتهر الأمر بين الناس، فإن حصل الدخول قبل ذلك وجب فسخ النكاح عندهم، نص على ذلك خليل وشراحه، وقد سبق توضيح ذلك في الفتوى رقم: 25637.

وأما الحنفية فإنهم جعلوا الولي شرط كمال، فحملوا حديث لا نكاح إلا بولي على الكمال لا على الوجوب، قالوا هو مثل لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، واحتجوا بقول الله تعالى: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234]، وبحديث: الأيم أحق بنفسها من وليها.

وبما روى الدارقطني عن سماك بن حرب قال: جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال: امرأة أنا وليها تزوجت بغير إذني فقال علي: ينظر فيما صنعت، فإن كانت تزوجت كفؤا أجزنا ذلك لها، وإن كانت تزوجت من ليس بكفء جعلنا ذلك إليك.

وقد أجيب عن فتوى على بأنها قول صحابي عارضته الأحاديث الصحيحة، وأما حديث الأيم أحق بنفسها، فيفيد أنه لا يعقد عليها بدون رضاها، وأما عقدها نفسها بدون ولي فهو ممنوع بحديث: لا نكاح إلا بولي، وبحديث: لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها. رواه الدارقطني وابن ماجه والبيهقي، وصححه الألباني.

وقد ذكر ابن العربي والقرطبي أن محمد بن علي بن الحسين قال: النكاح بولي في كتاب الله، ثم قرأ: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ، قال القرطبي في هذه الآية دليل بالنص على أن لا نكاح إلا بولي، وقال ابن العربي في تفسيره قوله تعالى: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ: نهى الله أولياء المرأة عن منعها من نكاح من ترضاه، وهذا دليل قاطع على أن المرأة لا حق لها في مباشرة النكاح وإنما هو حق الولي خلافاً لأبي حنيفة، ولولا ذلك لما نهاه الله عن منعها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني