الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا فتاة عمري 25 سنة، منتقبة -الحمد لله-، متخرجة، ومعقود قراني منذ ست سنوات على شخص ذي خلق ودين، وطيب جدا.
المشكلة أنه بعد تخرجي ترشحت للماجستير، وقبلت، وعندما بدأت في الدراسة كل ما كنت أسافر للمبيت أمي تقول لي: لو تقعدين معي، أنا اشتقت لك، ابقي بجانبي، آنسيني.
أنا أحب أمي كثيرا، فكرت أن أبرها، فكرت لو تموت أمي سأندم؛ لأني لم أبق بجانبها، توقفت عن الدراسة، المشكل أنه منذ أن توقفت من ثلاث سنوات، أهلي لا يعطونني مصروفا، حتى عندما أحتاج شيئا أخجل أن أطلبه، وأحيانا أختي المتزوجة، أو خطيبي يعطونني بعض المال، فأستغل الفرصة، وأشتري ما أريد.
أمي وأبي يعملان، ظروفنا المادية جيدة، في بعض الأحيان عندما يكون عندي بعض المال من أختي، تأخذه أمي عندما تكون مستعجلة، وليس معها مال، وأنا أخجل أن أطلبه منها، وهي تنسى.
بعد ثلاث سنوات تفكرت ماذا اشتريت من لباس، لم أجد سوى جلباب واحد، وحذاء واحد، لم يشتروا لي شيئا، حتى الحاسوب أخي وأختي اشتروه من سنوات، وأخي أصغر مني، أنا وُعِدت به من البكالوريا، ولم يُشترى لي إلا بعد التخرج.
كذلك الهاتف الذكي كل عائلتي كان عندهم إلا أنا، ولأني لم أطلب، لم أحصل عليه إلا عندما اشتراه لي خطيبي كهدية، كذلك أمي دائما تطلب مني أن أنزع النقاب، وأعمل، وأني أعيش في نظرها مخنوقة على خلاف بنات صديقاتها، متبرجات كالزهراوات في نظرها، وزاد الأمر سوءا موقف أختي، فهي تشجع أمي، وتحرضها عليَّ كي أنزع النقاب.
خطيبي لا يريدني أن أنزع النقاب، ولا أن أعمل، وأنا أيضا لا أريد نزع نقابي، وهما الاثنان دائما يجدان الحجج؛ ليُظهرا خطيبي في شكل سيئ؛ لأنه ليس مهندسا، أو طبيبا، هو متخرج من الجامعة، ويعمل -الحمد لله-، وكريم معي، وعلى دينه، وهذا يكفيني.
والله أنا أكتب، وأنا أبكي، لا أعلم ماذا أفعل، أختنق، أريد العودة لمواصلة الماجستير، فزواجي سيتأخر؛ لأن خطيبي يبني البيت.
هل إذا تركت أمي وحيدة أأثم؛ لأني لم أعد أتحمل هذا الأمر؟ أم أن هذا من الشيطان؟ بدأت أشعر أني دخلت في حالة من الاكتئاب.
أفيدوني، بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان سفرك للدراسة مأمونا، فلا حرج عليك -إن شاء الله-، ولو لم ترتض ذلك أمك، فقد نص الفقهاء على جواز سفر الولد بغير إذن أبويه في كل سفر لا يلحقه منه ضرر، أو هلاك. وسبق نقل كلامهم في هذا في الفتوى: 301891.

ولكن ينبغي أن تجتهدي في سبيل إقناع أمك، وكسب رضاها، وتوسيط أهل الخير إليها، مع الدعاء بأن ييسر الله إقناعها وموافقتها. هذا أوَّلًا.

ثانيا: ليس من حق أمك، ولا أختك أن تطلب منك نزع النقاب، فالطاعة إنما تجب في المعروف، وليس من المعروف أن تمنعك أمك من لبس النقاب، خاصة وأن تغطية الوجه واجبة على الراجح من أقوال الفقهاء؛ كما هو مبين في الفتوى: 4470. وتراجع أيضا الفتوى: 76303.

ثالثا: إذا كان هذا الشاب صاحب دين وخلق -كما ذكرت- وترفض أمك إتمام زواجك منه، فنوصيك بمحاولة إقناعها وتوسيط أهل الخير، فإن اقتنعت، فالحمد لله، وإلا فمن حق وليك إتمام الزواج، فإن تم، فالحمد لله، وإلا فيمكنك رفع الأمر إلى الجهات المختصة بالنظر في قضايا الأحوال الشخصية ليزال عنك الضرر، ويتم الزواج، وانظري الفتوى: 998، والفتوى: 67198.

رابعا: نفقة البنت التي لا مال لها واجبة على الأب، حتى تتزوج، ويدخل بها الزوج، فإن لم يكن لك مال، فمن حقك على أبيك أن ينفق عليك. وراجعي الفتوى: 66857، والفتوى: 222022.

خامسا: إذا لم تأخذ أمك من مالك لحاجتها، فمن حقك مطالبتها بهذا المال، وإن تركته لها برا بها، فعسى ربك أن يبدلك خيرا منه، فمن أعظم البر بر الوالدة. قال ابن عباس -رضي الله عنهما: لا أعلم عملا أقرب إلى الله -عز وجل- من بر الوالدة. رواه البخاري في الأدب المفرد. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 38993.

وفي الختام نوصيك بالالتجاء إلى ربك -سبحانه وتعالى- وسؤاله حاجتك، فهو قد أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، حيث قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني