الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طاعة الوالد في ترك بلد الغربة والرجوع للبحث عن عمل في البلد الأصلي

السؤال

أنا شاب أعزب، عمري 28 سنة، تخرجت من الجامعة قبل خمس سنوات في مصر، وبعد تخرجي بستة أشهر سافرت إلى دولة خليجية للبحث عن عمل، فلم أجد؛ لعدم خبرتي، وتقصيري في البحث، ومكثت ستة أشهر، ورجعت لمصر ومكثت ستة أشهر دون عمل، وبعدها بدأت أتدرب في شركة لمدة ستة أشهر، وفي نهايتها قررت ترك الشركة، ومذاكرة بعض الكورسات، ثم علمت أن هذه الشركة أُغلقت بعد تركي لها بشهر.
بعد ذلك مكثت في مصر عامًا دون عمل، فقررت السفر لتركيا للبحث عن عمل أيضًا، وشجّعني والدي على ذلك كثيرًا، فسافرت، وعند وصولي بدأت في تعلم اللغة ستة أشهر، ثم بعد ذلك عملت في شركة ستة أشهر بدخل قليل يكفي مصاريفي فقط، وبعدها انقطع هذا العمل، فعملت في عمل آخر لمدة ثلاثة أشهر أيضًا بدخل يكفي مصاريفي فقط، وانتهى ذلك العمل.
أي أنه مرّ على تخرجي خمس سنوات، ولديّ خبرة عام واحد في مجالي، وكلّفت والدي في كل إخفاقاتي 7000 دولارًا، وأنا الآن في تركيا منذ عام وخمسة شهور.
جاء والداي وأختي لزيارتي في تركيا منذ سبعة شهور، وكانت الخطة كالآتي: أن يمكث والداي وأختي إلى بعد شهر رمضان، لكن أبي لم يحتمل الوضع، وقرر النزول لمصر هو وأمّي، واستأذنته أختي أن تظل معي شهرين، ثم ترجع، فوافق.
لكن بعد نزولهم مصر بنصف شهر أُصيب والداي بكورونا -شفاهم الله وعافاهم-، ولا تزال عندهم بعض الأعراض، لكن حالتهم تحسنت كثيرًا -بفضل الله-.
معهم الآن في مصر زوجة أخي، ولي أخوان آخران متزوجان يعيشان خارج مصر، فعرض كل إخوتي الذكور المتزوجين النزول لأبي وأمي، ولم نعرض النزول أنا وأختي، وهذا تقصير منا؛ لأن أحوالي غير مستقرة، وأبحث عن عمل حاليًّا، وأختي كانت سترجع بعد شهرين، فقرر والدي أن نرجع وأختي غير المتزوجة لمصر خلال شهر، وطلب مني أبي أن أرجع مع أختي خشية أن تماطل أختي في النزول، وقال لي: ارجع، وابحث عن عمل في مصر، واكتسب خبرة، ثم انطلق إلى أي مكان، وبدأنا بترتيبات رجوع أختي لمصر، فإذا أردت الاستمرار في تجربتي في تركيا، وأخذ قراري بنفسي، وتحمل تبعاته، وعدم الرجوع إلى مصر، فهل في ذلك عقوق لأبي؟ علمًا أن أبي لا يطالبني بسداد ما أنفق عليَّ في إخفاقاتي.
عذرًا على الإطالة، لكنها ضرورية لتعلقها بالسؤال، وبحزن والدي على إخفاقاتي إلى الآن. أرجو الإفادة -رحمكم الله-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن أمكنك الرجوع إلى بلدك من غير ضرر عليك؛ فأطع أباك، وارجع إلى بلدك؛ فطاعة الوالد في المعروف واجبة.

وأمّا إذا كان عليك ضرر في الرجوع إلى بلدك، أو كنت محتاجًا للبقاء في تلك البلد لمصلحة كسبك؛ فلا حرج عليك في عدم الرجوع إلى بلدك، ولا تكون عاقًّا لوالدك بذلك، قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- في الفتاوى الفقهية الكبرى: إذَا ثَبَتَ رُشْدُ الْوَلَدِ، الذي هو صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ مَعًا، لم يَكُنْ لِلْأَبِ مَنْعِهِ من السَّعْيِ فِيمَا يَنْفَعُهُ دِينًا أو دُنْيَا. انتهى.

لكن عليك الاعتذار له، والسعي في استرضائه، والتودّد إليه.

وعليك في كل حال برّ أبيك، والإحسان إليه؛ فحقّ الوالد عظيم، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.

وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت، فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.

قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ: خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ، مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني